عبدالله إبراهيم الكعيد
بين الماضي والحاضر ليس فقط فوارق شكلية أو حتى مفاهيمية، بل قيميّة مختلفة بكل معنى. سأتناول أقرب فوارق قد يعرفها كل من عاش وعايش الماضي من جيلنا مواليد الخمسينيات الميلادية وما بعدها.
أقول بكل صدق لم يدر في خلدنا آنذاك أن يتواصل بعضنا مع بعض هاتفياً عبر آلة ذات أرقام مرتبة على قرص يُدار بالرقم المطلوب فيرد الطرف الآخر دون تدخل من السنترال. ما بالك بالتواصل اللحظي صوتاً وصورة عبر آلة بحجم كف اليد تقبع في جيوبنا.
للعلم فالشبكة العنكبوتية التي نستخدمها حالياً لم تك متاحة لاستخدام عامة الناس قبل عام 1998. لهذا قد يعتقد جيل (z) بأن الإنترنت كانت الإدهاش الأول لنا جيل البدايات، مع أن الدهشة الأخاذة سبقت ذلك بأزمان. وقت بث التلفزيون السعودي عام 1965م.
مصادر المعرفة المتاحة للعامة (قبل التلفزيون) كانت المدرسة بكل تواضع وسائلها لكن المذياع هو الثورة الحقيقية في تلقي كل جديد خارج مفهوم المحلي السائد بجانب الصحف والمطبوعات.
حسنا، ماذا أريد الوصول إليه الوصول بعد تلك المقدمة؟
أريد أن أتحدث عن ذاكرتنا. نعم ذاكرة كل منا. محتواها وبماذا نحشوها كل يوم؟ مصادر التلقي اليوم وذلك الضخ الهائل منذ اللحظات الأولى بعد الاستيقاظ من النوم. أعرف بأن الكثير من الناس ينامون على توديع شاشة الجوال ويصحون وهم يبحلقون في ذات الشاشة.
حول هذا الأمر قال ديليب جيست، بروفيسور في جامعة كاليفورنيا، إن «عقل الإنسان الذي عاش عشرات السنين يصبح أقل انفعالاً وأكثر رزانة»، مشيراً إلى أن ذلك يسمى بالحكمة. هذا غير النسيان، الذي يرتبط عادة بالتقدم في السن ويسمونه علمياً بــ(خرف الشيخوخة) يرده بعض العلماء إلى الكم الكبير من المعلومات المتراكمة في الذاكرة، مما يؤدي إلى صعوبة استجلاب المعلومة المطلوبة عند الضرورة، لتزاحمها مع معلومات أخرى، وهو ما لا يحدث مع الشاب الذي لا يزال مستوى المعرفة لديه أقل كمّاً مما هو عليه لدى كبار السن.
صفوة القول: إذا اتفقنا بأن عقولنا بكامل قدراتها تتلقى ضخاً مهولاً من المعلومات في كل ساعة أثناء صحونا فهل من المعقول إتاحة كل تلك المساحات الواعية وغير الواعية لتلك المعلومات غثها وسمينها أم بالإمكان التحكم في المدخلات وفلترة غير المهم منها؟ قيل (نفايات مُدخلة ستكون المخرجات ذات النفايات).