ناصر زيدان التميمي
تتجسد عظمة المجتمعات وأصالتها في طريقة تعاملها مع كبار السن، فإكرام ذي الشيبة ليس فعلا عابرا أو واجبا اجتماعيا فحسب، بل هو انعكاس عميق للاحترام والتقدير الذي نكنه للخبرة والحكمة. إن الشيب الذي يزين الرؤوس ليس إلا تاجاً من الوقار، يحكي قصة مسيرة طويلة مليئة بالعطاء والتضحية، ويختزن كنوزاً من المعرفة والتجارب التي لا تقدر بثمن.
يعد إكرام المسن من أسمى القيم المتأصلة في ثقافتنا العربية والإسلامية، فديننا الحنيف قد حثنا على توقيرهم. هذا التكريم لا يقتصر على المساعدة المادية أو الرعاية الجسدية فحسب، بل يتعداها إلى الجانب المعنوي الذي يشتمل على إظهار المحبة والاحترام، والتحدث معهم بلين ورفق، والاستماع إلى قصصهم التي تمثل دروساً حية في الحياة. فالوقت الذي نقضيه معهم ليس وقتاً ضائعاً، بل هو استثمار في الحكمة والفهم العميق للحياة.
إن رعاية كبار السن وإكرامهم هي ما يضمن تماسك الأجيال واستمرار التواصل بينها. إنها بمثابة جسر متين يربط الماضي بالحاضر والمستقبل، ويضمن انتقال القيم والمبادئ من جيل إلى آخر. فالمجتمع الذي ينسى شيوخه هو مجتمع بلا جذور، مهدد بالانحلال والضياع. على النقيض من ذلك، فإن المجتمع الذي يحتضن شيبته، ويستفيد من خبراتهم، ويستمع لنصائحهم، هو مجتمع قوي، مستقر، وقادر على مواجهة كافة التحديات.
فلنعمل جاهدين على غرس هذه القيمة النبيلة في نفوس أبنائنا، ولنعلمهم أن احترام كبار السن ليس مجرد سلوك اختياري، بل هو أساس بناء شخصية متوازنة ومجتمع متراحم. إن اكرام ذي الشيبة هو استثمار في مستقبلنا، فكما ندين اليوم بالاحترام لشيوخنا، فإن الأجيال القادمة سوف تدين لنا بنفس الشعور. إنها دورة حياة من العطاء المتبادل، تبدأ بالاحترام وتتوج بالتقدير والرحمة.