عبد العزيز الهدلق
معالي وزير الإعلام الأستاذ سلمان الدوسري حفظه الله ورعاه، اسمح لي أولاً أن أخاطب معاليكم بوصفي إعلامياً رياضياً متخصصاً أكاديمياً، وعمل في هذا المجال لأكثر من (35) عاماً، وشارك في تمثيل الإعلام الرياضي السعودي في كثير من المحافل المحلية والدولية.
أعلم شخصياً أن هناك واقعا لا يرضيكم في إعلامنا الرياضي بمختلف وسائله ووسائطه، وأنه واقع يؤرقك، ويزعجك، مثلما هو يؤرق ويزعج كل محب وغيور على إعلام بلاده الرياضي.
فلتسمح لي أن أشارك معاليكم شيئا مما يجول في الخاطر عن هذا الإعلام، وسبل تطويره، بما يرتقي به إلى واقعنا وحاضرنا الزاهر الذي تعيشه بلادنا في مختلف المجالات، وإلى الطموحات المستقبلية الكبيرة التي نتطلع إليها في هذا البلد العظيم.
فنحن نعيش اليوم عهدا زاهرا ومشرقا، فيما إعلامنا الرياضي «جله» ولن أقول كله حتى لا أظلم القليل المتميز يعيش في حقبة من الماضي السحيق.! ليس لها صلة ولا علاقة بحاضرنا الزاهي، ولا يوحي واقعه المزري بأي تغير أو تطور قادم.
وأرجو أن لا يصفني معاليكم بالمتشائم، أو المبالغ في وصف واقع إعلامنا الرياضي. فلقد وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها الإعلامي الرياضي الحقيقي المتخصص وصاحب التجربة الممتدة والطويلة ينأى بنفسه ويبتعد عن الميدان، ويخجل أن يصف نفسه بالإعلامي الرياضي، من سوء واقع هذا الإعلام.!
إن كثيرا من القنوات والبرامج الرياضية غير السعودية تستهدف الشارع الرياضي السعودي بكل مكوناته، المنتخبات والأندية والجماهير، لأنه سوق غني وثري بهذه المكونات الكفيلة بنجاح أي قناة أو برنامج تستهدفه، وكفيلة بأن تحقق له عوائد نسب مشاهدة عالية، وكذلك عوائد مالية كبيرة من خلال النقل الحصري. مستغلة في ذلك الفراغ الإعلامي الرياضي المهني المتميز الجاذب للمشاهد باحترام عقليته وذائقته الرياضية، ومستغلة كذلك السوق الواسع والجاذب للاستثمار في هذا المجال لوجود شريحة كبيرة من محبي الرياضة وعشاقها، وهي شريحة مهمة جداً وتشكل عماد عمل تلك القنوات والبرامج. ولن نقف موقف ضدي أو غير ودي من تلك القنوات والبرامج لأنها تعمل في الضوء، وعملها مشروع، وأهدافها مشروعة.
وما كانت هذه القنوات والبرامج تستهدف سوقنا الرياضي السعودي المحلي لتحقيق النجاح والعوائد المالية الضخمة، لولا وجود فراغ لدينا في هذا الجانب.
وقد يقول قائل أن تلك القنوات والبرامج تنقل للعالم، ولا تعتمد على السوق السعودي! والرد عليه بكل وضوح من خلال سياسات تلك القنوات والبرامج في التسويق والمبيعات، حيث جعلت السعر للاشتراك الموجه للسوق السعودي بضعف سعره للمناطق الجغرافية المختلفة حول العام!! وهذا يوضح من هو المستهدف!
وللأمانة يحسب لتلك القنوات والشبكات التلفزيونية الاحترافية والمهنية العالية في العمل.
والذكاء في استقطاب المشاهد من خلال الاستحواذ على البطولات الكروية الجماهيرية القارية والعالمية، وصناعتها لمحتوى يغني المشاهد، ويشبع نهمه الرياضي والكروي، ويحترم عقليته، بعيدا عن الطرح الغوغائي، والاعتماد على الاثارة المصطنعة، بالإضافة إلى حرصها على أن يكون مستوى النقل التلفزيوني للمباريات عالي الدقة وعالي المقاييس التقنية. ذلك أن القائمين على هذه الشبكات التلفزيونية اعتمدوا أفضل المعايير في كل ما يخص البث والإنتاج والنقل. فلا مجال للاجتهاد، ولا (عطونا وقت، ولا اصبروا علينا.!! ) فمنذ انطلاقتها كانت معاييرها عالية جداً.
وما أحوجنا في المملكة العربية السعودية إلى شبكة قنوات مماثلة. فالمحتوى المحلي موجود وغني وثري، كما أن قاعدة العملاء والمستفيدين عريضة جداً. وشريحة الشباب المحب للرياضة والكرة هي الشريحة الأكبر لدى الشعب الشعب السعودي، والمشاهد السعودي لديه القدرة والقابلية على الدفع مقابل المشاهدة، ولكن بما يستحقه الدفع. وبدلاً من أن تستفيد شبكات وقنوات غير سعودية من السوق السعودي، فإن شبكات وقنوات سعودية أولى بالفائدة.
ونحتاج إذا أردنا النجاح ومحاكاة النموذج المهني الذي تقدمه تلك الشبكات التلفزيونية الناجحة إلى تطبيق نفس المعايير العالية في العمل والتشغيل والإنتاج. وأن تكون الكفاءة هي معيار اختيار الكوادر العاملة، فلا جنسية محددة في العمل، فالضابط هو الكفاءة فقط، في كامل دورة العمل كالإعداد والتقديم والتعليق والتحليل، والتصوير والإخراج، وجميع العمليات الفنية والتشغيلية.
ونحن اليوم نعيش انطلاقة مشروع رياضي وطني طموح دشنه ودعمه عراب الرؤية والتطوير صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء. ودعمته الدولة أيدها الله بميزانيات كبيرة، فحري بنا ونحن نعيش بدايات هذا المشروع ونتطلع لمراحله القادمة أن نواكبه إعلامياً، بما يليق به، وبما يستحقه.
فمشروعنا الرياضي الذي نفخر به ونباهي، يظل ناقصاً ما لم يجد الوسيط الإعلامي الرياضي الذي ينقله للعالم بكفاءة عالية.
وللأسف أن نماذجنا المحلية في النقل، وإنتاج البرامج، والاستديوهات التحليلية، عاجزة عن صناعة نجاح يرقى إلى مستوى المشروع والطموحات التي يحملها، ومستوى ما صنعه المشروع من استقطاب لخبرات فنية من أرقى وأنجح المدارس التدريبية في العالم، ومن لاعبين ونجوم يمثلون صفوة ممارسي الكرة في العالم. ومع ذلك لازال محتوى البرامج والاستديوهات الرياضية المحلية لا يخرج عن دائرة «فريقنا وفريقكم»! وطرح فقير للغاية محدود الرؤية سطحي الأفكار، وضيوف برامج واستديوهات تحليلية قائمة على هذا صديقي وهذا رفيقي، وهذا يماثلني في الميول.
فواقعنا الإعلامي وبالذات المرئي ليس فقط لا يرتقي لمستوى رياضتنا وما يضخ في شرايينها من أموال هائلة وما جلبته من نجوم عالميين، ولكنه واقع مخجل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.! واقع إعلامي يقود بقوة إلى الوراء.
فهناك فارق شاسع بين واقعنا وطموحاتنا الرياضية وبين واقعنا في الإعلام الرياضي. وما يؤسف له أكثر أن هذا الواقع للإعلام الرياضي لا أمل يرجى فيه، ولا تطور ينتظر منه، واقع يجلب اليأس منه، لأننا لا نرى محاولات جادة لذلك، ولا نرى حتى ضوء صغير في نهاية نفقه المظلم، وكلما ظهر برنامج جديد كان أسوأ مهنياً من الذي قبله!
وكم أرثى لحال محب ومشجع ومتابع الكرة في بلادنا وهو محكوم عليه أن يتابع هذه البرامج الرياضية المتخلفة.
وأرثي لحاله وهو يطارد مباريات منتخب بلاده وفرق بلاده في البطولات القارية لمشاهدتها من خلال القنوات غير السعودية، وقد حرم من متابعتها عبر قنوات بلاده.!
وسيبقى سنوات غير قليلة قادمة على هذا الحال.! لقد أصبحت «الميديا» اليوم بكل وسائلها ووسائطها عنواناً للمشاريع المتقدمة.
فكل المشروعات الجديدة تحتاج إلى الميديا لتنقلها إلى المستفيدين، تعريفاً بها، وبأهدافها، وتعريفاً بطرق وأساليب الاستفادة منها، ولن تنجح هذه المشروعات وتحقق كامل أهدافها إلا من خلال الميديا.
إننا نتطلع اليوم إلى وجود شبكة قنوات رياضية سعودية متكاملة تنقل بطولاتنا للداخل والخارج بما يتفق مع أهدافنا وتوجهاتنا، وبما يحقق المعرفة والمتعة لمشاهدي رياضتنا ومحبيها في الداخل والخارج، وبما يعكس حجم مشروعنا الرياضي الوطني الطموح.
إن بلادنا اليوم مقبلة على استحقاقات رياضية كبرى محلية وإقليمية وقارية وعالمية، وهذه الاستحقاقات تحتاج إلى شبكة قنوات تلفزيونية لنقلها للعالم، وليس من المقبول أن تنقل الأحداث الرياضية المقامة على أرض بلادنا ذات البعد المحلي أو العالمي من غير إعلامنا.
فحتى دورينا ومسابقاتنا الرياضية المتنوعة أصبحت ذات بعد عالمي، ولها متابعيها ومشاهديها في مختلف دول العالم.
إننا إذا نجحنا في صناعة إعلام رياضي مرئي حديث وعصري، مكتمل الأركان المهنية، فسنكون قد حققنا عدة أهداف عظيمة، أولها مواكبة النهضة التي تعيشها المملكة في كل المجالات، ومنها التطور الرياضي، وكذلك مساندة المشروع الوطني الرياضي بتسويقه محلياً وخارجياً بالشكل الإعلامي العصري الأمثل، بالإضافة إلى الارتقاء بمستوى الطرح الإعلامي، بما يقضي على الحدة في طرح الرأي الأحاديّ، والتي لا تقبل تعدد الرؤى واختلاف الآراء وتقود في النهاية إلى التعصب وتأجيج الجماهير.
تخيل في ملاعبنا يركض كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما ورياض محرز وكوليبالي وبونو ومدربين قادمين من نخبة دوريات أوروبا، الذين مولت الدولة أعزّها الله ميزانيات استقطابهم..
وطرحنا الرياضي قائم على صراع في الآراء، وكل طرف يقلل من الآخر ويرمي عليه أشنع التهم.!! وبرامج تستقطب نقاد ومحللين وفقاً للميول. وأفضلها من تكون متوازنة في تعدد الميول والانتماء الرياضي، ولكن يبقى الميول هو المعيار الأول.!
هذا الإعلام الرياضي الكسيح لن يواكب كأس آسيا 2027، ولا دورة الألعاب الشتوية «تروجينا» 2029، ولا دورة الألعاب، الآسيوية 2034، ولا كأس العالم 2034.
وسيكون معيباً أن تنظم بلادنا هذه التظاهرات الرياضية القارية والعالمية فيما إعلامنا الرياضي عاجز عن مواكبتها.
فهل واكب إعلامنا الرياضي البطولات التي تم استضافتها المملكة كبطولات السوبر الإيطالي والإسباني، أو بطولات الفورمولا، وغيرها من الألعاب.!؟
إننا بحاجة إلى إعلام رياضي يتحدث بلغات العالم الحية، يخاطب العالم بأكثر من لغة؛ فدورة الألعاب الآسيوية وكأس آسيا وكأس العالم ودورة العاب تروجينا الشتوية يجب نقلها للعالم بكل اللغات.
إن تطوير الإعلام الرياضي السعودي يا معالي الوزير يحتاج إلى وضع خطة لمشروع متكامل، تشتمل على خطة زمنية ذات أطوار متعددة بين قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، تكون قاعدته الدوري المحلي وقمته كأس العالم.
وكلما بكرنا في العمل كلما كان ذلك أجدى نفعاً، فالوقت يمضي، والسنوات تنقضي كالأيام. وإذا كان المال كفيلا بصناعة كل شيء بسرعة فائقة، فإن صناعة الكفاءات والكوادر البشرية المتخصصة، تحتاج إلى زمن في التأهيل والتدريب والممارسة التطبيقية، ليخرج لنا جيلا مختلفا من ممارسي الإعلام الرياضي بمفهومه المهني الحديث.
زوايا..
** لصناعة إعلام مرئي محلي متميز يحقق طموحاتنا المستقبلية ينبغي فصل ما نراه اليوم واقعاً من الإعلام المرئي عما نريده ونطمح إليه مستقبلاً. فالإعلام المرئي المستقبلي الذي نطمح إليه يجب أن يكون منفصلاً انفصالاً تاماً عما نراه اليوم، وعن كل أدواته، البشرية والفكرية. فينبغي اختيار كفاءات شابة من المتخصصين في الإعلام بكل فروعه، وابتعاثهم للخارج للتخصص في الإعداد والإنتاج المرئي (فضائياً ورقمياً) في كل ما يتعلق بالمسابقات والمنافسات الرياضية. وأن لا يكون لهؤلاء الفتية أي علاقة أو ارتباط أو امتداد لواقع الإعلام المرئي الذي نشاهده اليوم بكل أدواته وشخوصه.
** نحن في المملكة العربية السعودية مقبلون على استحقاقات قارية وعالمية تجعل من بلادنا قبلة الرياضيين في العالم، ويجب أن يكون نقل هذه الاستحقاقات من ملاعبنا وميادين منافساتنا من خلال إعلامنا المرئي الخاص بنا، لأنه هو الوسيلة الوحيدة التي ستعرف العالم ببلادنا وبرؤيتنا وثقافتنا وحضارتنا وتطورنا، ولن يستطيع الإعلام غير السعودي أن يعبر عن هويتنا مهما تفوق في الانتاج المرئي فلنستعد منذ الآن لتلك المرحلة.
وفقكم الله معالي الوزير، وسدد خطاكم، وأعانكم على مهامكم ومسؤولياتكم، التي أنتم أهل لها.