فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
اليوم الوطني بين جرش وصدريد، هو امتدادٌ لأيام مواطن يعشق رمال صحرائه، وأمواج بحاره، وروعة جباله ومرتفعاته، وشمس وقمر سمائه.
«المملكة في عيون المحبين» كان عنوان محاضرتي في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، بدعوة من أخي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، رئيس الهيئة العليا للسياحة آنذاك عام 2000م، بمناسبة إعلان إنشاء الهيئة، وحضور ممثلي السياحة والآثار من مختلف أنحاء العالم. بدأت رحلاتنا عام 1997م من تبوك إلى جدة، ومنها إلى جازان، فعسير، ثم نجران ووادي الدواسر فالرياض، ومن الرياض إلى الأحساء والمنطقة الشرقية، تلتها زيارات إلى المنطقة الشمالية فالحدود الشمالية ثم الجوف، وتواصلت الرحلات إلى حائل فالقصيم، ولا تزال مستمرة حتى اليوم، حيث كانت محطتنا الأخيرة في عام 2025م منطقتي عسير والباحة.
كانت ذروة هذه الرحلة زيارة موقعي جرش وصدريد، اللذين يختزلان في تفاصيلهما شواهد حضارتنا الإنسانية والإسلامية.
جرش: يقع الموقع الأثري في محافظة أحد رفيدة، على بعد 15 كم جنوب خميس مشيط بمنطقة عسير. ويضم بقايا مبان حجرية وطينية، تعود إلى عصور ما قبل الإسلام والفترات الإسلامية المتعاقبة حتى القرن الحادي عشر الميلادي. وتشير دلائل أثرية إلى الاستيطان فيه خلال العصر العباسي شمال ووسط الموقع، أما في جنوب الموقع فهناك دلائل على الاستيطان خلال الفترة الإسلامية الوسيطة والمتأخرة. وقد عرفت جرش بموقعها على طريق الحج القادم من اليمن، واشتهرت بصناعاتها الجلدية والحربية، ومنها صناعة المنجنيق والعرادات وما كان يعرف آنذاك بـ»الدبابات» وكانت في زمن البعثة النبوية مركزاً تجارياً مهماً. وأسلم أهلها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
صدريد (صدر أيد): هي قرية أثرية في محافظة النماص بجنوب المملكة، وهو اسم مختصر لقرية «صدر وادي أيد). وتعد من أقدم القرى في جنوب المملكة. إذ يعود تاريخها إلى اكثر من ثلاثة آلاف عام. تقع وسط جبل وادي أيد»، وتضم مسجد «صدر أيد» التاريخي، أحد أقدم المساجد في منطقة عسير والذي أدرج ضمن مشروع تطوير المساجد التاريخية.
ويظل اليوم الوطني مناسبة نستعيد فيها ملحمة التوحيد العظيمة، التي قامت على رسالة التوحيد وتوحيد الكلمة والصف على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بإيمانه وحكمته وسيف عدله، وبتوفيق الله وتمكينه. ثم تعاقبت المسيرة المباركة على أيدي أبنائه الملوك: سعود الخير، وفيصل الحكمة، وخالد الرحمة، وفهد العمار، وعبدالله الحوار، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، عهد التحول والتطور، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان برؤيته الطموحة وتخطيطه المستقبلي.
حفظ الله عز وطننا وإنسانه، وأدام علينا ديننا الذي هو عماد بقائنا، وأعاننا على التمسك بعاداتنا وتقاليدنا العربية الإسلامية، وحماية تراثنا وثرواتنا التي ترتكز على مكانتنا الروحانية ومكتسباتنا الحضارية. ولنذكر دائمًا أن قوة الحاضر تستمد روحها من أصالة الماضي، وأن ربط العصر بالأصل هو سر بقائنا ونهضتنا.