د.شريف بن محمد الأتربي
في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر الموافق الأول من الميزان من كل عام يحتفي أبناء المملكة بذكرى إعلان المغفور له- بإذن الله- الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود قيام المملكة العربية السعودية، تلك الدولة التي ولدت كبيرة والتي تمتد جذورها لأكثر من 300 عام.
خمسة وتسعين عامًا من التماسك والتعاضد خلف قيادتنا الحكيمة، فمنذ تأسيس المملكة على يد الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- والبلاد تشهد تحولات جذرية، حيث استطاع المؤسس توحيد كافة أجزاء المملكة المختلفة تحت راية واحدة، مؤكدًا على أهمية الوحدة الوطنية في تحقيق الاستقرار والتنمية.
لقد أظهر الملك عبد العزيز منذ توليه الحكم عام 1932، رؤية استراتيجية في توحيد البلاد، وبناء هوية، وطنية واضحة، عكستها عديد من المواقف أوضحت تعاضد الشعب خلف قيادته، فما قدمه المواطنون بمختلف أطيافهم من تضحيات في معارك التوحيد هي خير مثال على ذلك مما أسهم في بناء قاعدة قوية للدولة.
تولى الملك سعود-رحمه الله- الحكم بعد وفاة الملك عبد العزيز عام 1953، وفي عهده شهدت البلاد العديد من المشاريع التنموية التي كان الشعب السعودي دائمًا خلفها، خاصة في تعزيز التعليم وتطوير البنية التحتية، وفي تلك المرحلة تجسد التماسك الوطني في الدعم الجماهيري للمشاريع التعليمية، مما ساهم في بناء قاعدة تعليمية متينة.
ثم جاء الملك فيصل- رحمه الله- عام 1964، وعُرف بمواقفه الثابتة تجاه القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية، وهنا أظهر الشعب السعودي دعمه الكبير لقيادته، حيث كانت مواقفه تعكس روح التعاضد، مما جعل المملكة تلعب دورًا محوريًا على الساحة الدولية، وخاصة في الصراع العربي الإسرائيلي.
تولى الملك خالد رحمه الله- الحكم عام 1975، وركز على الاستقرار والتنمية الاقتصادية، وفي عهده شهدت المملكة ازدهارًا اقتصاديًا بفضل عائدات النفط، مما أتاح فرصًا جديدة للمواطنين، وقد أظهر الشعب تعاضدًا قويًا من خلال مشاركتهم في تطوير المشاريع الوطنية، مما عكس التزامهم بمستقبل بلادهم.
تولى الملك فهد-رحمه الله- الحكم عام 1982، حيث أطلق رؤية جديدة تهدف إلى إدخال الإصلاحات في مختلف المجالات، وشهدت فترة حكمه تزايدًا في النشاطات الاجتماعية والثقافية، مما عزز من التماسك الاجتماعي، وقد كان الشعب دائمًا خلف قيادته، حيث شاركوا في دعم برامج التنمية والمشاركة في الحياة العامة، وكذلك في دعم قيادته أبان العدوان الغاشم على الكويت.
تولى الملك عبد الله-رحمه الله- الحكم عام 2005، وقدم العديد من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، حيث سعى إلى تعزيز حقوق المرأة وتعزيز التعليم، وشهدت فترة حكمه خروج النساء إلى مجالات عمل جديدة، مما أظهر تعاضد المجتمع في دعم هذه التغيرات، واحتواء هذه التغيرات لصالح المجتمع كله.
تولى الملك سلمان-حفظه الله- الحكم عام 2015، وواجهت المملكة تحديات متعددة، منها التوترات الإقليمية والأزمات الاقتصادية، ورغم ذلك أُطلقت المملكة رؤية 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز مكانة المملكة عالميا، وقد كانت هذه الرؤية حلما لكل مواطن من الشعب السعودي والذي أحس جميعهم أنها رؤيتهم للمستقبل، فتعاضدوا وتكاتفوا خلف ملكيهم وعضيده وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان- حفظهم الله- لتحقيق هذه الرؤية.
لقد حققت المملكة في إطار رؤية 2030 إنجازات بارزة تعكس التوجه نحو النمو والتنمية، فقد ارتفع اجمالي الأنشطة غير النفطية والأنشطة الحكومية نموًا بنسبة 3.4 % و2.0 % على التوالي، فيما حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المعدَّل موسميًّا خلال الربع الأول من عام 2024م ارتفاعًا بلغت نسبته (1.4 %) مقارنة بما كان عليه في الربع الرابع من عام 2023م، كما أن الأنشطة غير النفطية واصلت تحقيق النمو والمساهمة بما نسبته 50 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، مواكبة مستهدفات رؤية السعودية 2030م لتحقيق اقتصادٍ مزدهر يعكس نجاح برامج الرؤية والإصلاحات التشريعية ويعبر عن التقدم المحرز في المشاريع الكبرى والاستراتيجيات الوطنية.
وفي القطاع السياحي شهدت البلاد تحولا كبيرا وملحوظًا، ففي العام الثاني على التوالي، تواصل المملكة نموها القياسي في أعداد السيّاح المحليين والوافدين من الخارج، فبعد أن تخطت المملكة حاجز الـ 100 مليون سائح محلي ووافد من الخارج في عام 2023، عادت المملكة لتتجاوز هذا الرقم في عام 2024 لتصل إلى 115.9 ملايين سائح، بنسبة نمو بلغت 6 % مقارنةً بعام 2023.
وفي عام 2024، تم تسجيل ارتفاع بأعداد السياح الوافدين من الخارج إلى المملكة، حيث حققت المملكة رقماً تاريخياً باستقبالها 29.7 مليون سائح، بنسبة نمو بلغت 8 % مقارنةً بعام 2023. مع هدف الوصول إلى 100 مليون سائح سنويًا بحلول عام 2030.
وفي مجال الإسكان، تم بناء أكثر من 1.5 مليون وحدة سكنية منذ إطلاق الرؤية، مما يسهم في توفير السكن الملائم للمواطنين.
تحقيق التنمية البشرية كان محورًا رئيسيًا أيضًا من محاور الرؤية، حيث تم إنشاء أكثر من 30 جامعة جديدة ومؤسسة تعليمية، مع التركيز على تطوير المناهج لتلبية احتياجات سوق العمل. فقد بلغ معدل البطالة الإجمالي (للسعوديين وغير السعوديين) 2.8 %، وبلغ معدل المشاركة في القوى العاملة الإجمالي (للسعوديين وغير السعوديين) 68.2 %، وسجل معدل مشاركة السعوديين في القوى العاملة ارتفاعًا بلغ 51.3 % مقارنة بالربع الرابع من عام 2024م.
وأظهرت النتائج ارتفاع معدل مشاركة الذكور السعوديين في القوى العاملة ليبلغ 66.4 %، وانخفاض معدل البطالة للسعوديين الذكور ليصل إلى 4 %، كما أوضحت نجاح مبادرات تمكين المرأة، التي أسهمت في زيادة مشاركتها الاقتصادية وتعزيز دورها في دفع عجلة النمو والتنمية المستدامة، حيث أشارت النتائج إلى ارتفاعٍ في معدل مشاركة السعوديات في القوى العاملة ليبلغ 36.3 %، وانخفاضٍ في معدل البطالة للسعوديات ليصل إلى 10.5 %، وذلك مقارنة بالربع السابق.
في مجال الطاقة، تستهدف المملكة زيادة قدرتها على الطاقة المتجددة إلى 58.7 جيجاوات بحلول عام 2030، مع استثمارات تقدر بحوالي 7.2 مليار دولار في هذا القطاع. كما تم إطلاق أكثر من 500 خدمة حكومية إلكترونية، مما يسهل على المواطنين والمقيمين الوصول إلى الخدمات الحكومية.
إن مسيرة خمسة وتسعين عامًا من التماسك والتعاضد خلف القادة تعكس وحدة الشعب السعودي، الذي ظل دائمًا يقف خلف قيادته في كل الظروف منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، تجسدت قيم الولاء والانتماء في كل مرحلة من مراحل تاريخ المملكة. وفي ظل التحديات الحالية، يبقى التماسك الوطني هو الضمانة لاستقرار الوطن وازدهاره، مما يتيح لنا جميعًا الاستمرار نحو مستقبل مشرق يحقق أحلام الوطن وأبنائه.