أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
يفخر الإنسان بأن له وطناً يبني فيه بيته فيستقر فيه ويأمن على ماله وأولاده، فلا حياة بلا أمن، فالوطن والأمن مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، فلا تبنى الأوطان بدون تثبيت الأمن، والأمن في أوطان الآخرين ناقص، إذاً الوطن الذي تتوافر فيه الوطنية هو الوطن الآمن، فهو أمن في الطريق وأمن على النفس وأمن على المال وأمن عن الظلم، ووطننا المملكة العربية السعودية بلاد مترامية الأطراف، فالطريق في أيام الحروب أو استقلال القرى بشؤونها غير آمن، فقطاع الطريق يتربصون بالمار فينتزعون ماله بالقوة؛ ولذلك يلجأ المسافر إلى الانضمام إلى حملة فيها رجال يحمونها، وهذا ما كان سائدًا في الأسفار من نجد إلى العراق أو من نجد الحجر وكذلك من جنوب المملكة إلى الحجر، لقد كان الناس في القرى لا يأمنون على مواشيهم ومعيشة أبنائهم، وما هذه المراقب المبنية على الجبال في كل قرية إلا من أجل المراقبة لقطاع الطريق، حيث يبقى الرقيب طيلة النهار يرقب ما حول القرية، فإذا رأى ما يريبه رفع رايته ليراها من في القرية فيسرعون إليه ليعرفوا الخبر ثم الفزعة لارتداد الأغنام من قطاع الطريق، والأمن في المدن والبلدات يردع الظالم ويحمي التجارة ويبعد الاعتداء على الأطفال، والأمن المائي في سقي المزارع والنخيل ونصيبها من السيول لا يستقيم ويأخذ كل نخل نصيبه من الماء، لا يتوافر ذلك إلا في أيام الملك العادل، أما في أيام اختلال الأمن فيؤخذ حق الضعيف ويكون السيل من نصيب القوي، وربما قطعت اليد أو قتل الرجل من أجل الحصول على النصيب الأوفر من السيل.
والوطن الآمن يوفر معيشة لأبنائه، فإذا اختل الأمن اختلت المعيشة فمعيشة الناس قائمة على تجارة محمية، فكم من رجل معيشته ومعيشة أبنائه قائمة على تجارته في سوق المدينة أو البلدة. فإذا كان دكان الرجل لا يحتفظ ببضاعته خسر في تجارته وخسارته تنال معيشة أولاده، والمزارع عيشته وعيش أولاده يعتمد على محصوله من الزرع ومحصوله من التمر والعنب والخضار، فالوطن الذي يحكمه ملك عادل يحفظ محصوله ويؤديه لأبنائه كاملاً غير منقوص، وإذا كان الأمن مختلاً في الوطن أخذ التمر والحب من الفلاح من قبل المهاجمين، فأصبحت معيشة الفلاح في تلك السنة معيشة فقر ونقص عيش، لقد استقام الوطن المملكة العربية السعودية على دفع الظلم عن المظلوم؛ فعم الرخاء وتهيأت المعيشة لمن يسعى إلى كسب رزقه، فمن الناس من توافر رزقه في الوظيفة وهي مهيأة لمن أعد نفسه لها بالتعليم، ومن الناس من كان رزقه في الجندية والجندية هي خادمة الوطن في حمايته من الأعداء وهي خادمة الوطن في الطريق وفي حفظ أمن التجارة في المصارف والحوانيت، ومن أبناء الوطن من كان رزقه في التجارة فيسعى في طريقها ويحصل على معيشته ومعيشة أولاده.
إن مظلة الحاكم العادل هي التي تهيئ العيش لأبناء الوطن، فالملك عبدالعزيز أحس بحاجة الفلاحين إلى السواني فأنشأ مصلحة في وزارة المالية اسمها سلفية الملك عبدالعزيز، فكان الفلاح يحصل على ناقة أو ناقتين للسانية بثمن مؤجل بدون فائدة، وعرفت تلك المساعدة بسلفية الملك عبدالعزيز، إن من حقوق المواطن على الوطن أن يوفر الوطن المعيشة لمواطنيه، والوطن - ولله الحمد - فيه كنوز المعيشة من نفط ومعادن وأرض تزرع وبحر تصاد منه الأسماك، ولكن هذه الكنوز تحتاج إلى حاكم عادل يستثمرها في توفير المعيشة لأبناء الوطن.
لقد هيأ الله للوطن حكامًا همهم توفير العيش، فتوافر ذلك من زمن الملك عبدالعزيز إلى عهد الملك سلمان الذي نعيش في ظله. وصحة المواطن على قائمة اهتمامات القائمين على منجزات الوطن والصحة من أهمها، ودرء الأمراض هو الحاجز الأول في صحة المواطن، والمملكة العربية السعودية تتحمل في كل عام وقاية الحجاج من الأمراض المعدية ثم الاهتمام بوقايتهم من الأمراض عامة، ولا شك أن الحج والعمرة لجميع المسلمين، فيفد إلى المملكة في كل عام أعداد غفيرة من مائة وخمسين دولة أو أكثر، وحجاج المملكة ومعتمروها يخالطون الحجاج والمعتمرين من أنحاء العالم، والحاج السعودي والمعتمر لا يعود إلى مدينة واحدة أو قرية واحدة، بل يعود كل حاج أو معتمر إلى بلدته في وسط المملكة أو جنوبها أو شمالها أو شرقها، ومن هنا تكون مسؤولية الدولة في حماية سكان المملكة من الأمراض كبيرة، وإذا تتبعنا درء الأمراض في المملكة وجدنا تطعيمات الأطفال من أهم ما تقوم به الدولة من الأعمال الصحية الجليلة، والتقدم الصحي الذي نشاهده في المملكة لم يأت من فراغ وإنما جاء بجهد وتخطيط، وحماية المواطن السعودي من خطر المخدرات التي تهدم صحته وتؤدي بالكثير إلى الأمراض المزمنة التي تنتهي بالوفاة أولوية صحية، إن صحة المواطن هي القاعدة الأساس لنشاطه البدني والعقلي فلا تبنى الأوطان إلا بعقول سليمة وأجسام قوية.
والتعليم من عهد الملك عبدالعزيز إلى عهد الملك سلمان يسير موازيًا للأمن وارتقاء المعيشة وتحسن الصحة، فهو ركن من أركان بناء الدولة يتوسع في كل عام ويتطور في اتجاهاته ومشاركة الآخرين في علومهم؛ لذلك توافرت الجامعات في وسط المملكة وغربها وشرقها وشمالها وجنوبها، وابتعث أبناء المملكة إلى البلدان التي سبقت المملكة في التوسع في التعليم فعاد بعضهم إلى جامعات المملكة يحمل العلم ويعلم، ولازالت البعثات تتواتر على جامعات العالم المرموقة وإن كان في جامعات المملكة العلم النافع، فمشاركة جامعات العالم في علومها أخذ وعطاء، فالمملكة ليست بمعزل عن العالم فهي جزء منه تتفاعل معه ويتفاعل معها. ووطننا يشارك العالم في حفظ الأرض فهو يعتز ببيئته وما هذا الاهتمام باخضرار أرض المملكة وصيانة المحميات إلا وجه من وجوه حفظ النبات والحيوان والطيور، لقد استحدثت لوحات على الطرق تنبه السائقين إلى مرور الغزلان، وكانت اللوحات في القديم تنبه السائقين إلى مرور الإبل، ثم إن الطيور وأهمها الصقور أصبح لها مقر مقصود، وهذا جانب من اهتمام المملكة بطيور المملكة.
الوطن اليوم عِزَّة وفخر وأمجاد وإنجاز، لقد أسس القائمون عليه بنية تحتية تتمثل في الطرق التي تمتد في أجزاء المملكة وقنوات تصريف السيول والصرف الصحي والقطارات التي تربط مدن المملكة ببعضها، بل إنها تربط أجزاء المدينة، فمنها ما هو فوق الأرض ومنها ما هو تحت الأرض، وأنجزت المملكة بناء الجامعات في كل إمارة، وفوق هذه الإنجازات فالوطن يساعد الآخرين في كل جزء من أجزاء العالم، فلا تحدث كارثة من زلزال أو سيول أو حروب إلا ومَبَرَّة الملك سلمان تسارع إلى مساعدة المتضررين، لقد أصبح أبناء الوطن يتقدمون على غيرهم في المهارات، وهذا دليل على أن المملكة تشارك الدول المتقدمة في إنجازاتها.
لقد تفجر النفط في عهد الملك عبدالعزيز فاستثمره خير استثمار، وتواترت الإنجازات التي يدعمها النفط، حتى أصبح لدينا ما عند الدول المتقدمة.
إن ذكرى اليوم الوطني تذكير للنشء أن ما ينعمون به من خدمات لم يأت في يوم وليلة، وإنما توافر عبر سنين عديدة منذ عهد الملك عبدالعزيز إلى عهد الملك سلمان. حفظ الله ملك البلاد سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده محمد بن سلمان فهما خلف هذه الإنجازات.