مبارك بن عوض الدوسري
تحت هوية اليوم الوطني السعودي الخامس والتسعين وشعاره «عزّنا بطبعنا»؛ نستعيدُ مشهداً مفصلياً في مسيرة بناء الإنسان السعودي، حين التقى الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن ـ طيّب الله ثراه ـ وفداً من الكشافة العراقية في مشعر منى خلال موسم حج عام 1353هـ، فأُعجب بفكرة الكشافة وأهدافها، وأمر بإدخالها المدارس والمعاهد في المملكة، لتغدو لاحقاً أحد روافد التنشئة الوطنية على الانضباط وخدمة المجتمع.
73 كشافاً من بغداد إلى منى
شكّل افتتاح الطريق البري بين المملكة العربية السعودية ومملكة العراق في أواخر العام الذي سبق حج 1353هـ فرصةً مواتية لقدوم الوفود من العراق وسوريا وإيران، وكان ضمنها بعثة الكشافة العراقية المكوّنة من 73 فرداً قصدوا الديار المقدسة لأداء المناسك، وقد لقيت البعثة، كسائر ضيوف الرحمن، محبةً وحفاوةً وتبجيلاً وإكراماً منذ دخولها حدود المملكة.
ففي اليوم الثاني من عيد الأضحى المبارك، تشرف الوفد الكشفي العراقي بمقابلة الملك عبدالعزيز في مشعر منى، وخلال اللقاء، شرح أعضاء الوفد فكرة الكشافة وأهدافها، فاستحسنها الملك المؤسس على الفور وأمر بإدخالها المدارس والمعاهد آنذاك، كما تشرف الوفد بلقاء ولي العهد الملك سعود بن عبدالعزيز، وسمو نائبه الملك فيصل بن عبدالعزيز ـ رحمهم الله جميعاً.
ثم خاطب الملك عبدالعزيز أعضاء الوفد بكلمةٍ جامعةٍ تعكس رؤيته للعروبة والإسلام ووحدة المصير، جاء فيها: «أنا مسرور من هذه النهضة المباركة التي ظهرت في العراق، والتي سيكون لها أكبر الأثر في تقدم العرب، وأنا مسرور أيضاً بمشاهدتكم في بلادي، لتزداد بالتعارف الصلة التي تربط بلادنا ببلادكم؛ وشعبنا بشعبكم، ويتضاعف سروري بلقياكم لأنكم أول بعثة تأتينا من العراق، فذكرى هذه البعثة ستبقى في نفوسنا».
ثم ألقى رئيس الوفد الكشفي العراقي يوسف بك عزّالدين الناصري كلمةً بين يدي الملك، قال فيها مخاطبًا جلالته: «أقف بين يدي جلالتكم وملءُ نفسي غبطةٌ وسرور.. ممثلاً للوفد العراقي الذي قدم إلى هذه الديار المباركة حاجاً بيت الله الحرام».
وأبرز الناصري ما سمعه ورآه من عدل الملك وصيانته لشعائر الإسلام وبثّه الأمن والطمأنينة: «.. فشاهدنا الآن ما أرى على ما سمعناه من تلك الأنباء وصدق الخبر الخير.. وجديرٌ بموطن الإسلام الأول ومتجه أنظار الأمة أن تحظى بمثل هذه النعمة السابغة..».
مسار وطني ملهم
كان قرار الملك المؤسس إدخال الكشافة إلى المدارس والمعاهد خطوةً مبكرة لتأطير روح المبادرة والخدمة العامة في وعي الناشئة، وهي الروح التي تطوّرت لاحقًا إلى حضورٍ سعوديٍ فاعل في المحافل الكشفية الإقليمية والدولية، وهكذا تلاقت الأصالة المتجذّرة في طباع السعوديين مع العمل المنظّم لخدمة الدين والوطن؛ في ترجمة عملية لشعار هذا العام «عزّنا بطبعنا»: عزٌّ يُبنى على قيمٍ راسخة، وطبعٍ كريم، ومؤسسات تُعزّز الانتماء والمسؤولية.
توثيقٌ ومصدر
تعتمد هذه المادة على نصوصٍ موثّقةٍ وردت في كتاب «ذكرى الكشافة العراقية»، وقد طُبع على نفقة جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ـ رحمه الله ـ، وخصِّص ريعه لبناء المستشفى الأهلي بالطائف.