د. إبراهيم بن جلال فضلون
«عزنا بطبعنا»، عزنا فيها، لنا دار وأجمل دار، تشدو بدواخلنا جميعاً أحياء وأموات، جسدتها كلمات: بدر بن عبدالمحسن ولحنها: عبدالرب إدريس، وشدا بها صوت الأرض الفنان محمد عبده:
أنا من هالأرض.. أمي الصحراء..
احضنتني رمالها.. وارتويت بطُهرها..
أطعمتني تمرها.. وفرشت لي ظلالها
انا من هالأرض اللي مال عيالها.. غيرها أرض.
ذكرى عظيمة تُلهمُنا أن «وحدتنا أهم مكاسبنا»، هكذا انطلقت سُعوديتنا وسط منطقة الجزيرة العربية أوائل ق 12 الهجري، (18 الميلادي)، بحب وولاء، ولون البياض والخضار، لترسيخ وحدة وترابط ذرات أرضنا كافة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، فقد وصف المؤرخون الحالة السياسية والاجتماعية بالمنطقة بحياة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي، إضافة إلى ضعف الوازع الديني لانتشار البدع والخُرافات التي أدت بالنهاية إلى فترات من التفكك وانعدام الأمن وكثرة الإمارات المُتناثرة والمُتناحرة. لتبدأ رحلة سُعوديتنا الأولى باللقاء التاريخي في الدرعية عام 1157هـ (1744م)، غير أن الرياح كانت عاتية لأفول نجمها عام 1233هـ (1818م) بسبب الحملات العُثمانية، آخرها حملة إبراهيم باشا.
لكن اُعيدت الكرة بسُعوديتنا الثانية عام 1235هـ – 1820م، ولم يكن لها حظ إلا بضعة أشهر، لكنها كانت منطلقاً لمحاولة ناجحة قادها الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود في عام 1240هـ – 1824م، قامت على إثرها الدولة السعودية الثانية وعاصمتها الرياض… لكن يدب الخلاف، لتنطلق سُعوديتنا الثالثة التي بدأت شمسها بوحدة الملك عبدالعزيز الذي حمل مسؤولية تأسيس دولة حديثة كانت المنطقة في أمس الحاجة إليها في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ الموافق 15 يناير (1902م)، لأكثر من ثلاثين عاماً، حتى صدر أمر ملكي للإعلان عن توحيد البلاد وتتويجها باسم “المملكة العربية السعودية” اعتباراً من الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م.
إنها عزنا وعزنا فيها بطبعنا، يهدي طريقنا الـ95، لقلوب وأرواح الدولة العظيمة في رسالتها وإنجازاتها ومكانتها الإقليمية والدولية، عبر مسيرة ملحمية تتشابك خطوطها وتتقاطع في إبداعات الإنسان السعودي جيلاً بعد جيل، مُكملاً نهج وخُطى آبائهم المؤسسين، ووضع أسس الدولة الراهنة بحزم وعزم، لتزدان برؤية المملكة 2030، لصُنع التقدم، وتطوير رأس المال البشري، وتنويع مصادر الدخل الوطني بعيداً عن دفة السياسة النفطية بما يحقق استقرار الاقتصاد العالمي لمصلحة الإنسان السعودي.. برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، الذي إذا عزم توكّل، وإذا اقتنع قرّر، وإذا استغاثه جار لبّى النداء، وإذا حاق بوطنه خطر تقدّم بثبات وقوّة وحزم، متخذاً من التفاف شعبه حوله، وسخاء مواطنيه بعقولهم وفكرهم قوة.
لقد سبقت المملكة الإنجازات الدولية التي تعكس مكانتها المتنامية عالميًا، فصارت أول دولة عربية تحصل على مقعد في المجلس الأوروبي، مما يعزز التعاون الثقافي والفني ويعكس الاعتراف الدولي بدورها الريادي، وإطلاقها مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» التي تهدف إلى مكافحة التغير المناخي، وأكبر المبادرات البيئية في المنطقة، ومشاريع ضخمة مثل «نيوم» و»ذا لاين» التي تروج للتنمية المستدامة، وجذبت اهتمامًا عالميًا في مجالات الابتكار والطاقة النظيفة، وهو ما عزز مكانتها في المحافل البيئية الدولية، وعسكرياً شاركت في مناورات عسكرية مشتركة مع أكثر من 20 دولة، مما يعكس دورها في تعزيز الأمن الإقليمي والدولي، ولم تكتف بذلك فقد صارت مهبط استضافة القمم الدولية والاقليمية، مما أكد قدرتها على قيادة الحوار العالمي في الاقتصاد والسياسة، وتوسعت علاقاتها مع دول الكبار مثل الصين، روسيا، والاتحاد الأوروبي، عبر اتفاقيات استراتيجية في مجالات الاقتصاد والدفاع والطاقة.. كل ذلك جعل تنويع الاقتصاد الوطني جاذبا للاستثمارات الأجنبية وتطوير القطاعات غير النفطية، حتى صارت نموذجًا عالميًا في التحول الاقتصادي، ولا ننسي تمكين المرأة دوليًا، والمشاركة السياسية، والانخراط في الأعمال التجارية، ما ساهم في تحسين صورة المملكة عالميًا في مجال حقوق الإنسان.
إنها السعودية الجديدة التي تحولت لمعركة من البناء والتحديث إلى ملحمة إنجاز تتواصل من جيل إلى جيل.. أثبتتها قيادة في أعتى قضايا العالم، لا سيما قضية الدولة الفلسطينية، فكانت محط الأنظار بإدارتها للأزمات فاستحقت مراتب عُليا بالمؤشرات الدولية بكافة المجالات، كيف لا وسياستها ترتكز على الإنسانية جمعاء، بغض النظر عن الانتماء القبلي أو الطائفي، دعماً لازدهار ونمو ونهضة شاملة مُتكاملة برهن على نجاحها رؤية شبابية صارت دليلاً وهادياً مع كل انبلاج فجر جديد، تاركة بصمتها في كل مكان وزمان انتظاراً لغد جديد.فأنا السعودي في حلي، وفي سفر الدين دربي، وللرحمن: دعواتي!