أ.د.محمد بن حسن الزير
ينعم مواطنو «المملكة العربية السعودية» ويتقلبون - بحمد الله ومنه – بنعم كثيرة لا يعدها ولا يحصيها إلا الله المنعم المتفضل عزَّ وجل، ومن أجَلِّهَا وأعظمها نعمة (التوحيد) والعيش الرغيد (الآمن المستقر) تحت أفياء ظلال راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) في هذه المملكة المباركة التي أسسها وأعادها سيرتها الأولى الملك الراشد المؤسس الكبير الهمام المجاهد (عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود) طيب الله ثراه؛ بعد أن مرًّت الدولةُ بمرحلتها التأسيسية الأولى التي انطلقت بقيادة الإمام الموفق الفذ (محمد بن سعود) عام 1139هـ، الموافق 22 فبراير عام 1727م، وما تلاه من أعوام عظيمة، ثم مرحلتها التجديدية الثانية بقيادة الإمام المجاهد (تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود) رحمه الله الباذل للنفس والنفيس، والذي قدم الجهد الشاق، والجهاد الكبير المجيد من أجل تأمين عودة دولة التوحيد وتثبيتها على سنن العقيدة والشريعة.
ثم كان ظهور الملك عبد العزيز على مسرح الأحداث ليقود ملحمة جديدة من (الوحدة والتوحيد) منذ يفاعته، واستعادته للرياض عام 1319هـ إلى أن أتم الله له الأمر بإكمال مهمة (الوحدة والتوحيد) بإعلانه تأسيس (المملكة العربية السعودية) يوم 21-5 الموافق للأول من الميزان من عام 1351 هـ الموافق 23 سبتمر1932م، الذي أصبح يوما وطنيا للبلاد وبعودة الدولة الآمنة المستقرة الراسخة، بعد أن بسط الملك المؤسس (رواق الأمن والأمان الشامل المبني على وحدة عميقة وتوحيد راسخ مكين) وجدنا أن الوطن أصبح أكثر ثباتا وقوة وأكثر وعيا وبصيرة وأكثر اتساعا ورحابة، وتجاوز المفهوم الضيق للبلدة والقرية والعشيرة، ووجدنا (رحابة الوطن الأوسع والأشمل، تتحقق لإنسان هذا الوطن بفضل الله ونعمته ثم بفضل ما بذله المؤسس العظيم (الملك عبد العزيز آل سعود) طيَّبَ الله ثراه، ورجاله الأماجد، من جهود ومجاهدة جادة شاقة متواصلة كفاحا وبذلا وعطاء بلا حدود ثم واصل أبناؤه وأحفاده البررة، جهود المحافظة على العهد والأمانة؛ وبذلك أصبح جميع المواطنين في هذا البلد الكريم العزيز بإيمانه ووحدته، ينتمون لوطن واحد، تحت راية واحدة وهُويَّة واحدة وشعور وجداني واحد، وهو (المملكة العربية السعودية) وأصبح أيُّ جزء من هذا الوطن، وطنا لأي فرد من أفراد الوطن الكبير، وأصبح كل فرد مواطنا لأي جزء من الوطن الكبير، وتماهى كل من المواطن الوطن في الآخر؛ ليمثلوا معا وحدة واحدة في نسيجها وتجانسها وتكاملها وانصهارها في بوتقة واحدة.
وكما نجح الملك عبد العزيز بفضل الله وتوفيقه في أن يجمع شمل الوطن الواسع (مكانا) كان قد حقق جمع (قلوب الناس من المواطنين شعورا ووجدانا وحبا وانتماء) وحقق معجزة، ما كان لأحد أن يصدق أن تتحقق؛ لولا أنها تحققت فعلا وعاشها الناس (واقعا مشهودا موجودا خبروه معاينة) وليس رواية وخبرا، وتعجبوا من تمكن (عبد العزيز) من جعلها واقعا، وصارت موضع عجبهم وإعجابهم وموضع تعبيرهم في مجالسهم وأحاديثهم وشَدْوِهِمْ في أشعارهم.
حدثني أحدُهم عن قصة حدثت تصور شعور الناس بهذا (التوحيد للقلوب) التي كانت متنافرة فجمعها عبد العزيز على المحبة الصادقة والأخوة المكينة؛ يقول محدثي، أن أحدهم أخبره بقصة له مع أحد كبار السن؛ قال كنا مجموعة من الزملاء الموظفين منتدبين في الطائف، وبعد نهاية المدة لزَّم علينا بالعزيمة واحد من الزملاء من البقوم، أهل تربة، وفي داره كان فيه اثنان من كبار السن واحد منهم والد المضيف، وكان المضيف يعرف بنا بأسمائنا وألقابنا لوالده وهو جالس على مركاه، ويقول له هذا فلان العتيبي، وفلان القحطاني، وفلان العنزي، وفلان الشمري، وفلان السبيعي.. الخ، وبعد أن انتهى من التعريف قال الشايب: «الله يغفر لبندر ابن سرور العتيبي!» فصار دعاؤه، في خاطري، وأثار في نفسي تساؤلا عن شأن هذا الدعاء! ولماذا خصَّ به (بندر) وبعد أن انتهينا من العشاء، وتهيأنا للانصراف والسلام على والد المضيف تعمدت أن أكون آخر المودعين لأسأله عن تلك الكلمة؛ فقلت له: يا عم! لما جينا نسلم عليك العصر، وعلمك الابن بألقابنا وقبايلنا، قلت: «الله يغفر لبدر بن سرور!» فقال لي: أجل ما دريت وش يقول؟! يقول:
ما يقدرون الجود سود الأطاريف
مخالطةْ بيض النسا باللحافِ
يقدر عليه اللي حما نجد بالسيف
وخلَّا مباغيض القبايل ولافِ
ويقول الشاعر سعد بن محمد الزير آل حمد:
كانت به فوضى عرفها من قرى
أو سمع ما يروون عنها من قديم
جهل وقتل وسلب مع فقر وعرى
وقلَّة أمان لكل رحَّال ومقيم
حتى تولاها معزي وانبرى
لتوحيدها دار ودين مستقيم
وعاشت بعز أمن ودين يذكرى
هي مضرب الأمثال بالدين القويم
ابن سعود بسيرته كل درى
دستوره القرآن تنزيل الرحيم
به يستوي عنده غنيين وفقرى
ما فيه فرق بين ميسور وعديم
يتبع طريقة خير واطٍ للثرى
المنذر الهادي لجنات النعيم
وبالفعل، لقد صار الوطن (مكانا وإنسانا) كيانا واحدا؛ حيث سكن في وجدان المواطن وفي الوقت نفسه هو الدار الذي يسكن فيه المواطن؛ لقد سكنَّا فيه كلُّنا فسكن فينا كلَّنا؛ نحن معشر المواطنين بلا فرق ولا تمايز، بحمد الله وفضله؛ فأحبتنا الديار وأحببناها، وكنا وإياها كما صوَّرتُه نبطيا:
وديار السعودْ كلها لي
دارْ سِعْدٍ وهِيْ مِرِيّه
وديار العربْ كلها لي
دارْ السعودْ العَليّه
جمَّعْ الموحّدْ شمْلًها
بجهْد جِدٍّ وعزومٍ قويّه
دارْ عِزّ والديانةْ
شرعة الله محمديّه
كلّها بيتْ دارْ واحدْ
ديارْ عِرْبٍ سُعًودِيّه
من جنوبٍ للشمالِ
ومن شرقٍ لغربيّه
جندهْ الأجدادْ كانوا
أهل الفِدا والحميّه
نحمد الله يوم حنّا
أهلْ كلمهْ وحدويّهْ
نظرةٍ وحدهْ وراية
مَعْلَم التوحيد هِيَّهْ
وختامها منّي نصيحة
واقبلوها منّي وصيّة
الزموا التوحيد استقيموا
على دينْ خَيْرٍ للبرية
دنياك لا تغترْ فيها
فهي دايمْ غُروريّة
احفظْ صلاتكْ والسجودْ
وبالنوايا الصالحية
واتبعْ السّنةْ وابتعدْ
عن سلومِ الجاهليّة
لا تكبرْ و لا ترافقْ
مَنْ طبوعهْ دناويّه
وصلاة الله على اللي
دعوته للورى أوسطيّه
نبي الدين والهدى
واللي بعثته خاتميّه
إننا معشر المواطنين السعوديين ونحن نحتفي بيوم الوطن «الخامس والتسعين 95» لنُواصل استذكار السيرة المجيدة العطرة للملك المؤسس (عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود) التي ستظل حية في قلوبنا بكل الحب والوفاء والامتنان، وخالص الدعاء.