د. أحمد بن محمد السالم
الحمدلله على ما منَّ الله على هذه البلاد المباركة من نعم لاتعد ولا تُحصى، منذ توحيد المملكة، عام 1932م، على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وفي مقدمتها نعمة الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان، وقد أسس الملك عبدالعزيز قواعد صلبة وراسخة لدولة عصرية، لم تزعزعها الحروب والصراعات الإقليمية والدولية، ولم تهز كيانها ظواهر الإرهاب والاجرام والفساد، فكان همُّ القيادة -وما يزال- توفير حياة معيشية كريمةٍ وآمنةٍ لأبناء الوطن، فحمل المؤسس على عاتقه أعباء تأمين احتياجات شعب يفتقر الى الموارد، ويعاني من شظف العيش، ويضطر أحياناً إلى الترحال والتنقل الى الدول المجاورة، بحثاً عن لقمة العيش، ومصدر رزق. فلم يرقْ لجلالة الملك واقع الحال، ولم يمض وقت طويل على توحيد المملكة، حتى منح حق امتياز التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية لشركة (ستاندرد أويل-SOCAL) الأمريكية، التي سُميت لاحقاً بأرامكو(الشركة العربية/ الأمريكية)، وبعد سنوات من البحث والتنقيب وبالتحديد في عام 1938م، اكتُشف النفط بكميات تجارية بالدمام، وجاء لقاء الملك عبدالعزيز بالرئيس (فرانكلين روزفلت)، في فبراير عام 1945م، ليؤكد دعم الشراكة السعودية/الأمريكية في قطاع النفط، وتعزيز مساهمة أرامكو في الاقتصاد الوطني، وباتت هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً لما يمكن أن تحققه الدول النامية من منافع، في علاقتها مع الدول المتقدمة الكبرى.
وفي عام 1980م، امتلكت الحكومة شركة أرامكو بالكامل، واستمرت أسعار النفط وكميات انتاجه وتصديره في تزايد، وتزامن مع ارتفاع الإيرادات النفطية، تشييد البني التحتية وتحسن معدلات الدخل والتوظيف، وتحولت المملكة، اليوم، إلى أكبر كيان اقتصادي في الشرق الأوسط، تعاقب أبناء المؤسس-رحمه الله-على قيادة هذه البلاد، يتسابقون في بناء هذا الوطن، وخدمة المواطن، وتلمس احتياجاته، وما كان لهذا المورد الثمين أن ينمو ويتطور وتعم مكاسبه وفوائده الوطن كله، لولا توفيق الله ثم القيادة الحكيمة لولاة الامر وحنكتهم السياسية، والدبلوماسية في تجنب البلاد والعباد شر النزاعات والصراعات، فقد التزمت المملكة الحياد في الحرب العالمية الثانية، وتجاوزت تداعيات الحرب الباردة، وناصرت القضية الفلسطينية، وقدمت الدعم والمساندة لدول المواجهة، في الحروب التي خاضتها مع العدو الإسرائيلي للأعوام (1948م، 1967م، 1973م)، بل استخدمت المملكة في حرب أكتوبر لعام 1973م، النفط، الذي هو شريان العيش والحياة في البلاد، سلاحاً، بحظر تصديره لدول الغرب الداعمة لإسرائيل، مما ساعد على تسوية سلمية عبر الأمم المتحدة، وإيقاف الحرب، وحقن دماء إخواننا العرب.
فلم تكتفِ الدولة بحماية الوطن وأهله من المخاطر الإقليمية والدولية، بل أصبحت منارة إشعاع وسلام؛ فعلى الصعيد الإقليمي، أنهت المملكة الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت أكثر من خمسة عشر عاماً (1975-1990م)، باتفاق ما بين الأطراف المتنازعة في محافظة الطائف (اتفاق الطائف)، وأعادت في فبراير 1991م، في تحالف مع دول عديدة، مظلة الأمن والسلام والاستقرار إلى منطقة الخليج العربي، بتحرير الكويت من الغزاة المعتدين، وتجاوزت المملكة رياح الربيع العربي، الذي أطاح بعدد من قادة الدول العربية، وما تزال تلك الدول تعاني من الاضطرابات وتدهور الأوضاع المعيشية، والأزمات الاقتصادية والمالية، ولا يغب عن البال، ما تقوم به المملكة حالياً من جهود مضنية لإحلال السلام في جمهورية السودان، والجمهورية اليمنية.
ولم تكن المملكة موطن امنٍ وسلامٍ إقليمياً فحسب، بل انتقلت إلى لعب دور ريادي في صنع الامن والسلم العالميين، ومن ذلك، احتضانها لقمة السلام الامريكية/الروسية؛ لإنهاء الصراع الاوكراني/الروسي، وتسوية الخلافات الامريكية/الروسية، ومهّد ذلك إلى لقاء الزعيمين(ترامب وبوتن) في ألاسكا بالولايات المتحدة الامريكية بتاريخ 15-8-2025م، كما أن المملكة توسطت في تبادل الاسرى ما بين أوكرانيا وروسيا، الذين يحملون جنسيات متعددة، من بينها جنسيات أمريكية وبريطانية، وإلى جانب حرص المملكة على نشر الامن والسلام في انحاء العالم، فإنها تقدم مساعدات للشعوب المحتاجة، فلقد تجاوزت المساعدات الأجنبية السعودية في المجال الإنساني والتنموي (141) مليار دولار امريكي، أستفاد منها ما يربو عن (415) مليون فرد، في (173) دولة حول العالم، ويأتي في مقدمة الدول المستفيدة جمهورية اليمن، إذ اضطلع مركز الملك سلمان للإغاثة والاعمال الإنسانية بدور ريادي في هذا الشأن، ولعل ما يؤكد أن المملكة منبع خير وعطاء للعالم أجمع، ما يقوم به العاملون الأجانب في المملكة من تحويلات مالية سنوية لأسرهم وعائلاتهم في الخارج، تجاوزت (170) مليار ريال عام 2024م، أي ما يعادل تقريباً 15 % من ميزانية الدولة للعام ذاته.
وختاماً، الشكر لله ثم لولاة الامر على تلك النعم، حيث قال الله تعالى: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»، وبشكر النعم وتوظيفها في طاعة الله واعمال الخير تدوم وتزدهر، وفي الوقت الذي نشاهد فيه دول مجاورة تعصف بها الحروب والصراعات، وأخرى في الغرب والشرق تئن تحت وطأة الركود الاقتصادي وتراجع المستوى المعيشي وجودة الحياة، نجد-ولله الحمد- بلادنا تسير بخطى ثابتة ورؤية اقتصادية واجتماعية واضحة وطموحة، في ظل أمن وارف، ونهضة اقتصادية لا مثيل لها، ودعاؤنا لولاة الأمر بالعون والسداد وخير الجزاء والثواب، فلم يدخروا جهداً في الوصول بنا إلى بر الأمان، والسعي ببلادنا إلى مصاف الدول المتقدمة في شتى المجالات والميادين، ولا غرابة أن تعكف القيادة الرشيدة اليقظة على تعدد وسائل الدفاع عن هذا الوطن وحمايته من مفاجآت الأعداء والحاقدين، وما قامت به المملكة في 17-9-2025م من إبرام اتفاقية الدفاع المشترك مع جمهورية باكستان الإسلامية التي تمتلك سلاحاً نووياً، لهو رد حقيقي وسريع لمن تسول له نفسه المساس بأمن هذه البلاد أو التعدي على ترابها الطاهر.
أسأل المولى عز وجل أن يديم على بلدنا نعمه ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ مولاي خادم الحرمين الشريفين وسيدي ولي عهده الأمين والشعب السعودي الكريم من كل نازلة وبلاء. وكل عام وبلدنا وأهلنا في عز وسؤدد وأمن وسلام، وصدق القائل في محكم كتابه وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ... .
** **
نائب وزير الداخلية سابقاً - وأمين عام مجلس وزراء الداخلية العرب سابقاً