منال الحصيني
المتابع للمشهد الثقافي السعودي الحالي يلحظ أن الموضة لم تعد مجرد تفاصيل مرتبطة بالمظهر الخارجي أو كونها نزعة استهلاكية عابرة. فهي تتحول إلى أعمق من ذلك كونها أصبحت خطابا ثقافيا يكشف مدى عمق الهوية الوطنية ويترجم انتماء المرأة السعودية إلى هذا الوطن العظيم، فاللباس بما يمثله من ألوان الأبيض والأخضر والكثير من النقوش والرموز وبعض الخطوط أصبحت لغة تعبيرية تتقاطع مع قيم المجتمع لتفتح المجال بإعادة صياغة العلاقة المتينة بين المرأة السعودية وبين الذاكرة الوطنية.
في اليوم الوطني السعودي تبرز هذه العلاقة بشكل جلي حينما تتزين النساء بتلك الأزياء التعبيرية لا كونها وسيلة للزينة فقط، بل كتعبير للانتماء والاعتزاز. فالعباءات العصرية والثياب التراثية المطرزة التي استوحت المرأة ألوانها من لون العلم لم تكن لترتديها بطريقة تقليدية فحسب، لكنها أعادتها بتصاميم عصرية حديثة تمزج بين روح الأصالة وحداثة الحاضر كي تصبح الموضة جسرا يربط بين الماضي والحاضر وبين الرموز التاريخية والتطلعات المستقبلية.
فكون الموضة خطابا ثقافيا يجعلها متميزة بقدرتها على أن تكون ساحة حوار بين المرأة وهويتها التي تعتز بها وأيضا بين المرأة السعودية والعالم الخارجي كونها تري العالم اعتزازها بجذورها الثقافية من جهة وانفتاحها على الحداثة من جهة أخرى دون المساس بالقيم كي تبقى دوما صوتا فاعلا في صياغة الثقافة الوطنية.
والموضة في السعودية أصبحت وسيلة لرواية قصة أجيال يبتغى منها غاية تناقل هذا الإرث وعدم اندثاره باعتزاز وفخر، فالرموز الثقافية والنقوش والزخارف المطرزة كلها أنماط تقليدية وطنية هي بالتأكيد قصة جيل حاضر يميل إلى التجديد مع الحفاظ على الأصالة، ويظهر ذلك جليا في دور المصممات السعوديات اللواتي استطعن تحويل هذا الإرث الفني العريق إلى إبداعات عصرية تنافس عالميا، ولا يمكن أن نبخس حق المرأة السعودية المتذوقة للموضة بصفتها متذوقة واعية تختار بعناية كل ما يعكس على مظهرها الأصالة والانتماء، ليكتمل المشهد بين مبدعة تصميم ومتذوقة في اللباس.
فكيف لا تضيء المرأة السعودية في هذا اليوم التاريخي العظيم لتري العالم أنها نجم لامع في سماء الموضة، فهي المبدعة التي لا تتلقى ما يصنعه العالم لتريه أنها الصانعة له تنسج من خيوط هويتها لغة جديدة تحاكي العالم لتخبره بوفائها لهذا الوطن الذي أعطاها بسخاء ومنحها حقوقها كاملة وبذلك هي تعبر عن هذا الحب للوطن بأن تجعل مظهرها خطابا ثقافيا غير مكتوب ولكنه مقروء لكل من يراه.
فالمرأة السعودية في يوم الوطن تسعى جاهدة لتحويل إطلالتها إلى أكثر من كونه رداء في احتفال بتحويلها له إلى بيان ثقافي صريح، وهو أن الوطن ليس مجرد حدود ولكنه حكاية تروى بالأزياء كما تروى الكلمات بالأفعال.
استطاعت بها أن تكون رائدة في تحويل الرموز الوطنية إلى تصاميم تنافس العالمية لتعكس في إطلالتها وعيها بذاتها وهويتها وتبرز حضورها المميز في الساحة الدولية.