طلال حسين قستي
ظلت خدمة حجاج بيت الله الحرام تشهد تحسيناً مستمراً يرتكز على ضوابط ولوائح ملزمة، منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز آل سعود -طيَّب الله ثراه- وصولاً إلى العهد الحالي بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعناية واهتمام سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء سمو الأمير محمد بن سلمان، في ضوء رؤية السعودية 2023 السديدة التي حققت الكثير من الإنجازات الشامخة في بلادنا، وكان منها صدور نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج بالمرسوم الملكي رقم (م/ 111) وتاريخ 17-9-1440هـ، الذي كان يهدف إلى:
1 - رفع كفاية العاملين في مجال خدمة ضيوف الرحمن.
2 - إعادة هيكلة شركات أرباب الطوائف للتحول من مؤسسات أفراد إلى شركات، وذلك من خلال رسملتها وحوكمتها، وتصنيف الخدمات التي تقدمها نوعاً وكماً.
3 - العمل على توسيع قاعدة المشاركة في هذه الشركات، واستقطاب الكفايات من المواطنين الراغبين في العمل، وذلك لتقديم أفضل الخدمات للحجاج.
4 - العمل على تطوير الخدمات المقدمة للحجاج، بما يمكنهم من أداء فريضة الحج، وزيارة الشاعر المقدسة، وزيارة المسجد النبوي بكل يسر وسهولة.
واليوم وقد مضى على قيام هذه الشركات أكثر من خمسة أعوام، ومُضي فترة زمنية مناسبة لتقييم أعمالها، وكفاءة العاملين في إداراتها ومجالاتها الإشرافية والتنفيذية، ولما يلاحظ خاصة في العامين الأخيرين من تغييرات في سوق خدمات الحجاج تحت مسمى التنافسية المكفولة بنظام وزارة التجارة، وموافقة وزارة الحج والعمرة، وبروز شركات من الشركات الأم، تتنافس جميعها في استقطاب الحجاج بدون تصنيف محدد لجنسية الحجاج، وإنما تتم التعاقدات بموجب العرض والطلب مع ممثلي حجاج الدول الإسلامية، حتى إننا وجدنا بعض الثغرات التنافسية، فبدلاً من أن تحصر شركة حجاج جنسية ما ظلت في خدمتها لعقود طويلة، نجد أن التنافس والإغراءات بخدمة أفضل للحجاج، وبالطبع لا اعتراض على ذلك طالما أن المنافسة تصب في صالح الحاج، ولكن هذه التنافسية أحدثت نوعاً من الإرباك في أعمال شركات الطوافة، وأصبح اسم الشركة غير ذي جدوى في طبيعة أعمالها الموسمية، فلدينا وفق النظام ست شركات هي: شركة مطوفي حجاج الدول العربية - شركة مطوفي حجاج دول جنوب آسيا - شركة مطوفي حجاج دول جنوب شرق آسيا - شركة مطوفي حجاج تركيا وحجاج أوروبا وأمريكا وأستراليا - شركة مطوفي حجاج إيران - شركة مطوفي حجاج الدول الإفريقية غير العربية.
هذه الشركات وما تفرَّع منها من شركات، تخوض منافسة محمومة لاستقطاب الحجاج من أي جنسية كانت، وهذا في تقديري أحدث بعض الإرباك في أعمالها، حيث انشغلت الشركات في منافسة مع شركات محلية نشطة تخضع لنظام وزارة التجارة ولتصنيف وزارة الحج والعمرة، مما وضع شركات الطوافة في مواجهة صعوبات كثيرة منها حسب اعتقادي:
زيادة أعداد المنافسين الجدد، مما يشكِّل ضغوطاً متزايدة عليها لتقديم خدماتها بأسعار تنافسية.
ملاحقة مطالب واهتمامات الحجاج الذي يتطلعون لخدمات ذات جودة عالية وبأسعار مناسبة.
وكما أشار أحد الخبراء في هذا المجال، فإن التحدي التكنولوجي يلزم شركات الطوافة أن تواكب تطورات التكنولوجيا فكيف لها أن تحقق ذلك وهي تعمل تحت ضغط المنافسة والاستحواذ الميداني، ومشاكلها مع المساهمين!
أما التحدي الرابع فهو الذي يحدث في اللوائح التي سمحت بدخول منافسين جدد ليس لهم سابق خبرة في خدمة الحجاج، لكنهم يملكون الحماس والمال للمشاركة في خدمة حجاج الخارج، بعيداً عمَّا يُسمى بالمطوفين وشركاتهم القائمة، أما التحدي الأهم الذي يواجه شركات الطوافة، هو تسويق أعمالها فلم يعد يجدى في إدارة أعمالها اعتماد تلك الأساليب القديمة، وإنما يلزمها إعداد إستراتيجيات تسويقية فعَّالة لجذب الحجاج في ضوء المنافسة المتزايدة من جهات تجارية تطمع لأخذ قطع من كعكة خدمة حجاج الخارج.
الآن وفي ضوء اقتضاء التخصص في خدمة جنسيات الحجاج، فاعتقد من (وجهة نظري) أن تعيد وزارة الحج والعمرة بحث أفضل السبل لاستمرار شركات الطوافة من خلال السعي العملي لدمجها جميعها في شركة واحدة، وليكن اسمها مثلاً (الشركة السعودية الموحَّدة لمطوفي حجاج الخارج)، ولا شك أن هذه الفكرة ليست بجديدة على بلادنا، ولدينا أمثلة على ذلك، فشركات الكهرباء اتحدت تحت مسمى واحد، كما تم في بعض البنوك وقطاعات أخرى، فوجود شركة واحدة قوية لخدمة حجاج الخارج، سيزيد من قيمتها وفعاليتها لدى الحجاج وبعثاتهم، ويكسبها المزيد من الثقة، والقدرة التي تمكنها من المنافسة باقتدار، كما أن تكامل اندماجها بموجب مرسوم ملكي، سيحقق لها المزيد من المزايا والفوائد التي تخدم مستقبلها، ويعالج نقاط الضعف في الشركات الحالية، كما يسهل التعامل والتعاون معها من بقية الجهات الحكومية ضمن منظومة خدمات الحج، كما أنها ستحقق مستهدفات رؤية السعودية 2030 للوصول بعدد الحجاج إلى 3 ملايين حاج من خلال شركة واحدة -بإذن الله.
لقد آن الأوان أن تفكر وزارة الحج والعمرة، التي يقودها معالي الوزير د. توفيق الربيعة، المعروف عنه اهتمامه بإدارة التغيير والتطوير، النظر في هذا المقترح وغايته هو تحسين أوضاع شركات الطوافة الأهلية، لاستمرارها قوية وفعَّالة في أعمالها لخدمة ضيوف الرحمن بدعم وتوجيه القيادة الرشيدة التي لا تتردد في اتخاذ كل ما من شأنه التيسير على حجاج بيت الله لأداء فريضتهم بكل راحة واطمئنان. ومن الأمور المهمة (حالياً) أن تسعى الوزارة بعد أن مضت أكثر من خمسة أعوام على إنشاء هذه الشركات، إلى مراقبة التزام إداراتها في حفظ حقوق المساهمين من حيث عدالة توزيع الأرباح، وحرية الوصول إلى المعلومات المالية وغير المالية، وعدالة شغل الوظائف الموسمية للمواطنين، وكذلك العمل على إقناع مجالس الإدارات لإنشاء جمعية للمساهمين وفقاً لنظام وزارة التجارة، وكذلك تنظيم ندوات في كل شركة لمعرفة آراء المساهمين ومطالبهم من مجالس إدارات شركات الطوافة، حفظاً لحقوق المساهمين التي كفلتها الأنظمة الرسمية في بلادنا.
وبالله التوفيق،،
** **
- رئيس تحرير مجلة الحج والعمرة سابقاً