خالد بن عبدالرحمن الذييب
في ساحة القديس بطرس والتي يرتكز فيها مبنى الفاتيكان لتستقبل زواراً للسياحة والفضول المعرفي، للمبنى لما يمثله من رمزية لدى الكاثوليك، تمر الساعتان للنظر فيها دون الشعور بها، وذلك لجمال الساحة ومقاييسها العمرانية المناسبة لوظيفتها الأساسية كحاضنة لمبنى الفاتيكان.
وفي مكان أخر قد تمر دون أن تشعر بساحة الكونكورد متجهاً إلى متحف اللوفر، والتي قام بتصميمها المعماري الفرنسي جاك غابرييل عام 1755م في عهد الملك لويس الخامس عشر، والتي تعد ميداناً من أكبر ميادين باريس وتحوي على المسلة الفرعونية. في التاريخ الإنساني اشتهر سقراط بالمشي في ساحات أثينا للإلتقاء بمريديه والتعبير عن فلسفته، وفي ساحة سوق قونية التقى جلال الدين الرومي بشمس الدين التبريزي.
ميزة الساحات تكمن في كونها منطقة التقاء كمكان ثالث، كما عبّر عنه عالم الاجتماع راي أولدنبرغ عام 1989م، فالساحة إن لم تكن مكاناً للتفاعل والتلاقي بين الناس فقدت أهم ما يميزها كساحة، وهذا ما افتقدته ساحة الكونكورد، والتي لم تكن سوى مكان للمرور العابر باتجاه اللوفر، ولذلك يطلق عليها أحياناً مسمى ميدان وهو التعريف الأفضل لها.
جمال ساحة القديس بطرس كان سبباً في عدم الشعور بالوقت، وفي المزار الثاني محدودية الجمال كانت سبباً في عدم الشعور به، وهنا فرق كبير بين عدم شعورك بالزمان، وعدم شعورك بالمكان، فعندما لا تشعر بالزمان فأنت في عالم آخر من الاندماج بالمكان لجمال المشهد العمراني أو الطبيعي إن كان المشهد طبيعيا، أما عدم شعورك بالمكان فهذا يعني أن المكان بالنسبة لك لم يحرك فيك شيئا.
ساحة القديس بطرس والتي صممها الإيطالي جان لورين بيرنيني في الفترة ما بين 1656 - 1667م بطلب من البابا الكسندر السابع لاستقبال «الزوار» الكاثوليك تتميز بالتنوع العمراني البصري بوجود مسلة مصرية تم نقل مكانها في القرن السادس عشر وإلى جانبيها نافورتان، الملاحظ أن المسلة المصرية موجودة في ساحتي القديس بطرس، والكونكورد، الفرق أنها في ساحة الكونكورد تعتبر العنصر الأبرز في الساحة وكأن كل شيء مصمم لإبراز المسلة، أما في ساحة القديس بطرس فالمسلة تعتبر أحد مكونات الساحة بحيث لا تطغى على العنصر الأهم فيها وهو مبنى الفاتيكان، حتى ارتفاعات المباني والتماثيل المنحوتة والمزروعة في الساحة لا تزيد عن مبنى الفاتيكان في إشارة إلى أهمية إبراز المبنى الرئيسي في الساحة.
أخيراً ...
بعض الأماكن تسرق منك الوقت.. والبعض الآخر.. تسرق وقتك منها..
ما بعد أخيراً...
قد لا تكون الساحات مكانا لإنتاج الإبداع، ولكنها أحياناً.. هي الإبداع ذاته.