أسامة الفريح التميمي
انسجاماً مع تطلعات رؤية المملكة 2030 ومستهدفات برنامج تنمية القدرات البشرية، والذي يعد أحد برامج هذه الرؤية يتم العمل على بناء تعليم شامل يرسّخ القيم، ويُعزز من تنافسية المملكة عالميًا ويحقق ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تمكين الطلاب والطالبات من اكتساب مهارات نوعية وتخصصات رقمية تؤهلهم للتفاعل مع العصر الرقمي، والإسهام في إنتاج حلول مبتكرة منذ المراحل الدراسية المبكرة في التعليم العام، والتعليم الجامعي والتدريب التقني والمهني، ووصولاً إلى التدريب والتعلّم مدى الحياة.
حيث إن واقع التعليم عالميًا يشهد تحولاً جذريا نحو الرقمنة، مدفوعاً بالتطور التقني والحاجة إلى أساليب تعليم أكثر مرونة وكفاءة.
يشمل ذلك دمج التقنيات الحديثة مثل التعليم الإلكتروني، وتقنية الفصول الذكية، والتحليلات التعليمية لتحسين جودة التعليم وتخصيص التجربة التعليمية لكل طالب. فعلى الصعيد العالمي أثبتت التجارب أن التحول الرقمي يساهم في توسيع فرص الوصول للتعليم الجيد، وتقليل الفجوة التعليمية التقنية بين المناطق الحضرية والريفية، وتعزيز مهارات الطلاب الرقمية في مجال الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني لتلبية متطلبات التعامل مع الثورة التقنية المتزايدة، وكذلك تحسين مهارات دخول سوق العمل في المستقبل.
ومع التقدم المطّرد في مجال الذكاء الاصطناعي واستخدام الروبوتات، أصبحت التخصصات الرقمية ذات أهمية متزايدة في جميع مجالات التعليم، وخاصة منها مجالات التعليم المتخصص كالتعليم المهني والصناعي والخدماتي. وتبين للقائمين على تطوير التعليم ضرورة استخدام التكنولوجيا الرقمية لتحسين وتغيير عملية التعلم والتدريس، والذي يشمل استخدام تقنيات مثل: الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، مما يعزز التفاعل والتشارك بين الطلاب، وتفعيل آليات التحول الرقمي ضمن مؤسسات التعليم التي تهدف إلى توفير فرص تعليمية متنوعة ومخصصة، وتحسين جودة التعليم وإدارة المؤسسات التعليمية عبر تطبيق آليات التحول الرقمي وإقرار مناهج تعليمية تتضمن مفاهيم الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، مختلف التخصصات الرقمية كالحوسبة السحابية والتقنيات الناشئة، والتسويق الرقمي، وتصميم وتطوير الألعاب الإلكترونية والوسائط التفاعلية.. وغيرها من التخصصات.
وفي هذا السياق كشف وزير التعليم يوسف البنيان، عن إدراج منهج الذكاء الاصطناعي في جميع المراحل الدراسية اعتبارًا من العام المقبل، واعتماد منهج الأمن السيبراني كخيار لطلاب المرحلة الثانوية، وذلك ضمن حزمة من القرارات والمشاريع التطويرية في قطاع التعليم. وأعلن المركز الوطني للمناهج بالشراكة مع وزارة التعليم، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، عن منهج للذكاء الاصطناعي سيُطبق في جميع مراحل التعليم العام بدءًا من العام الدراسي 2025 - 2026 . حيث يشمل المنهج الجديد -وفق ما أوردت وكالة الأنباء السعودية، وحدات دراسية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، تُراعي خصائص المراحل العمرية، وتُقدم بأساليب تفاعلية وتطبيقية، كما تتضمن الخطط آليات ربط معرفي بين المراحل، لضمان تراكم المهارات وبنائها تدريجيًا، على أن تُدرج نتائج التعلّم ضمن منظومة التقييم الشامل لأداء الطلاب وتحصيلهم.
ومع هذا التوجه نحو التعليم الرقمي تبرز أهمية التخصصات الرقمية في التعليم، باعتبار أنها تخصصات أكاديمية ومهنية تركّز على المهارات والمعارف المرتبطة بالتقنية والتحول الرقمي، ومن أبرزها: (علوم الحاسب، الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات الضخمة (Big Data)، الأمن السيبراني، هندسة البرمجيات، إنترنت الأشياء (IoT)، تقنية المعلومات (IT)، الحوسبة السحابية، الواقع الافتراضي والمعزز (VR/AR) وخاصة في تطبيقاته مجال الألعاب الإلكترونية، وسلاسل الكتل (Blockchain). فالتخصصات الرقمية وتطوير التعليم أصبحت اليوم من أهم المحاور التي تركّز عليها رؤية السعودية 2030، خصوصًا مع التحول الرقمي السريع الذي يشهده قطاع التعليم بمختلف مراحله، والقطاعات الحكومية والخاصة.
الأمر الذي يجعلنا نؤكد على أهمية التخصصات الرقمية في تطوير التعليم، من منطلق أن التحول الرقمي في التعليم يعتمد بشكل كبير على هذه التخصصات الرقمية لتقديم تجربة تعليمية حديثة ومبتكرة، وتعتبر التخصصات الرقمية، وتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز (Reality Augmented and Virtual) وتطبيقاتهم المختلفة أحد أحدث التقنيات سواء في مجال التعليم أو الألعاب أو الفنون وغيرها، حيث ظهرت هذه التقنيات بعد التقدم الكبير في التقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي واستخداماتها العديدة في تطوير الأدوات الإلكترونية وآلية عملها وتنوع طرق الاستفادة منها في مجال تطوير التعليم.
فعلى سبيل المثال لا الحصر يسهم التخصص الرقمي في مجال التعلم الذكي (Smart Learning) في تطبيقات استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، التي تساعد الأنظمة التعليمية للتعرف على نقاط ضعف وقوة كل طالب وتساعد على اقتراح مسارات تعليمية مخصصة له.
كما تسهم التخصصات الرقمية في بناء وتصميم المنصات التعليمية الرقمية مثل «مدرستي»، «كلاسيرا»، وغيرها، والتي هي ناتج عمل خبراء في البرمجيات والتصميم التفاعلي، فهي تسمح بالتعليم عن بُعد ومتابعة الأداء. كما تسهم التخصصات الرقمية في مجال الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) في توفير تجارب محاكاة واقعية للطلاب، مثل زيارة معالم تاريخية أو تشريح جسم الإنسان، بدون الحاجة للتنقل أو موارد مادية كبيرة. وتساعد التخصصات الرقمية في برامج تحليل البيانات لاتخاذ القرار، والتي تتيح لصانع القرار في الوزارات والمؤسسات التعليمية تحليل أداء الطلاب والمعلمين، ومعرفة نقاط الضعف العامة، واتخاذ قرارات مبنية على أرقام واقعية.
بالإضافة إلى دور التخصصات الرقمية في تعزيز الأمن السيبراني لدى الطلاب، حيث إنه مع ازدياد البيانات الطلابية الرقمية، يصبح الأمن السيبراني مهما لتأمين الحماية للبيانات وخصوصية المتعاملين، ورفع مستوى الوعي بالأمن السيبراني لدى جميع أفراد المجتمع. بالإضافة لما سبق يبرز دور التخصصات الرقمية في مجال الألعاب التعليمية الإلكترونية، حيث تسهم الألعاب التعليمية الإلكترونية في نشر ثقافة استخدام التقنيات في التعليم، وتساعد المتعلمين على التعايش في بيئة تقنية عن طريق تدريبهم على استخدام هذه التقنيات.
وتعمل على جعل مخرجات التعليم أقل عرضة للنسيان والمعلومات أكثر ثباتاً لدى الطلاب، ولذلك تعتبر الألعاب التعليمية الإلكترونية عنصرا هاما يساعد المتعلم على زيادة سرعة التعلم، وأيضاً تساعد المعلم بشكل خاص على عرض المقرر بطريقة أسهل وأكثر جذباً وتشويقاً للطلاب.
وقد أثبتت الدراسات أن استخدام الألعاب الرقمية التعليمية يزيد من دافعية المتعلم وتضمن تفاعله مع المادة التعليمية التي تقدم بأسلوب ممتع بغية تحقيق الأهداف المرجوة منها، وتعمل هذه الألعاب على إشراك المتعلم إيجابيا في عملية التعلم أكثر من أية وسيلة تعليمية أخرى. كما أن الألعاب الإلكترونية التعليمية تمنح المتعلم المجال لممارسة المهارات والمعرفة بطريقة ممتعة، فتصبح الألعاب الرقمية بالنسبة له وسيلة لاكتساب المعارف وتزويده بالفرص التي تتيح له تجربة ما لم يجربه من سلوك، فهناك أمر ما يجري في الألعاب الرقمية التعليمية مثل: التخطيط واتخاذ القرار وإتباع إستراتيجية، كما أن الألعاب الرقمية تؤثر إيجاباً على عمليات التذكر وحل المشكلات واتخاذ القرارات.
وبالتالي، فإن استخدام الألعاب الإلكترونية التعليمية والواقع الافتراضي في التعليم يمكن أن يكون فعالًا في تعزيز التفاعل والانخراط، وتجعل التعلم أكثر تفاعلاً وممتعًا. كما تعمل الألعاب الرقمية التعليمية على تحسين الفهم والاستيعاب، فالواقع الافتراضي يمكن أن يساعد الطلاب على فهم المفاهيم المعقدة بشكل أفضل، وتطوير المهارات العملية والعلمية لديهم.
والأمثلة على استخدام الألعاب الإلكترونية والواقع الافتراضي في التعليم كثيرة ومتعددة المجالات ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ألعاب تعليمية مصممة لتعليم المفاهيم الرياضية أو العلمية أو اللغوية. وألعاب تعليمية تعمل على استخدام الواقع الافتراضي لتعليم المفاهيم العلمية المعقدة في مجال العلوم، مثل بنية الذرة أو الكواكب، كذلك يسهم الواقع الافتراضي في المجال الطبي، حيث يمكن استخدام الواقع الافتراضي لتعليم الطلاب الطب والممارسة الطبية.
ونستنتج مما سبق أن تدريس التخصصات الرقمية، وتطبيق مقررات وبرامج لتوظيف الألعاب الإلكترونية والواقع الافتراضي في التعليم لم يعد خياراً، بل أصبحت ضرورة، خصوصاً إذا تم دمجها بذكاء في التعليم، فهي ترفع الكفاءة والجودة وتفتح آفاق جديدة للطلاب والمعلمين، وتخدم أهداف رؤية 2030 في بناء مجتمع معرفي وتقني منافس عالميًا. فهي تساهم في تحسين المهارات والمعرفة في مجالات التكنولوجيا والمعلومات.
وتسهم في تطور التعليم عبر دمج التخصصات الرقمية في المناهج الدراسية لتلبية احتياجات سوق العمل، وتفتح مجالات جديدة من الوظائف في الاقتصاد الرقمي وتحسن فرص التوظيف، وتشجع على التعلم مدى الحياة لمواكبة التطورات السريعة في التكنولوجيا. كما تسهم التخصصات الرقمية في تعزيز التفاعل بين المعلمين والطلاب من خلال أدوات التعليم الإلكتروني، حيث تتيح استخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي لتخصيص تجارب التعلم وفقًا لاحتياجات الطلاب الفردية.