أ.د.صالح معيض الغامدي
يبدو لي أن الخطاب في السيرة الذاتية موجه لثلاثة أنواع من المخاطبين: المخاطب العام، والمخاطب الخاص، والمخاطب الذاتي.
فالمخاطب العام هو جماع القراء الذين يكتب لهم كاتب السيرة الذاتية سيرته، أعني القراء الحقيقيين الذي قد يعرفهم أو يعرف بعضهم والقراء المفترضين الذين قد يتخيلهم ولا يعرفهم. وغالبا ما يتوجه الكاتب إلى هذه الشريحة التي تمثل الكثرة الكاثرة من القراء لإفادتهم وإمتاعهم. وتكون دوافعه في كتابة سيرته الموجهة إليهم هي الشرح والتبرير، وتقديم النموذج، أو تقديم الخبرات والتجارب المتنوعة التي يكون من شأنها أن تعلم القراء وتثري تجاربهم الحياتية بشكل عام.
أما المخاطب الخاص فهو الذي يختصه الكاتب بالخطاب السيرذاتي أو بعضه، وهذا النوع من المخاطبين قد يفصح عنهم كاتب السيرة الذاتية مثل الآباء والأبناء والأصدقاء، وقد لا يفصح عنهم ويتركهم عمدا غفلا عن عامة القراء، ولكن هذا المخاطب المقصود من المؤلف المجهول لنا نحن عامة القراء يستطيع ببساطة الوقوف على مرامي الخطاب السيري الموجه إليه تحديدا والتفاعل السيري معه، ولعل من أهم هؤلاء المخاطبين الخاصيين : الحبيب، والحبيبة، والخصم، فهؤلاء يتواصل معهم كاتب السيرة الذاتية بطريقة مشفرة لا يستطيع فك شفرتها إلا هؤلاء المخاطبون أنفسهم. ويكون الدافع إلى مخاطبتهم التصالح مع الماضي المرتبط بهم أو اللوم والتقريع وفي بعض الأحيان الانتقام.
أما المخاطب الذاتي في السيرة الذاتية فهو كاتب السيرة نفسه، فهو يخاطب نفسه ويحاورها ويحاسبها وفي كثير من الأحيان يبحث عنها في ماضيه. وهذه الذات التي يخاطبها كاتب السيرة الذاتية ربما تكون في كثير من الأحيان هي الذات الحقيقية لهذا الكاتب. وعادة ما تكون الدوافع التي تكمن وراء مخاطبة الكاتب ذاته في السيرة الذاتية محاولة فهم حياته فهما جيدا، وإعطائها معنى ما، وكذلك الرغبة في ممارسة التطهير والتحرر من بعض المشاعر غير المرغوب فيها.
ولعل هذه التعددية في خطاب السيرة الذاتية هي التي تجعل هذا الجنس الأدبي شيقا ومعقدا في الآن ذاته. وهي التي قد تحدث أحيانا ضروبا من الصراع الجميل بين الأبعاد الذاتية والعامة والخاصة في السيرة الذاتية. ولعلنا نتنبه عند قراءة أية سيرة ذاتية إلى هذه التعددية المخاطبية ونقوم بتفكيكها طلبا لتحقيق فهم أعمق وأشمل للنصوص السيرذاتية.