سلمان بن محمد العُمري
لكم أن تتصوروا هذا المشهد العجيب، أنت في شدة، وعسر، وكرب يؤرق مضجعك، ويذهب النوم من عينيك، وفجأة تكتشف أن الله قد فرج ذلك عنك، على يد شخص لا تعرفه، وأن العسر جاء بعده اليسر، وأن الحزن انقلب إلى فرح وسرور.
ولكم أن تتصوروا أن فرج الله جاء بدعوة صادقة من مكلوم أعنته، أو فقير ساعدته أو مظلوم نصرته، وقد رفع أكف الضراعة في جوف الليل، وهو وأهله وذووه يدعون لمن سد عوزهم ويسر عسرهم، وفرج كربتهم دون أن يريقوا ماء وجههم، أو أن يضطروا إلى الطواف بين البيوت.
في كل بلد يوجد محتاجون وفقراء ويتامى ومساكين، وهذا ليس بالعار ولا بالمذمة، بل تلك هي سنة الله في خلقه، وبلادنا ليست استثناءً على الرغم من النعم الكبيرة التي نعيشها، والثروات التي حبانا الله بها، وأيادي الخير ولله الحمد كثيرة لدينا، وامتد عطاؤها ليشمل داخل المملكة وخارجها في شتى أنحاء المعمورة، يشهد بها القاصي والداني، ولكن ظروف الزمان ونكبات الدهر لايأمن منها أحد والدنيا كما يقال (دوارة) وقد يصيب الإفلاس والإعسار من كان بالأمس غنياً وملء السمع والبصر.
إن ديننا الإسلامي يأمرنا بالمحافظة على مشاعر المحتاجين والفقراء، وعدم إحساسهم بأي نوع من الأذى، أوالتنغيص من أجل ذلك نهى الله -تعالى- أن يمن الإنسان على الفقير بصدقته، فقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (البقرة: 264).
كما أثنى الله -تعالى- على الذين لا يتبعون صدقاتهم بالمن، وجعل الكلمة الطيبة خيراً من صدقة مقرونة بالمن والأذى فقال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} (البقرة: 262- 263).
إن الموفق المسلم حين يتبرع، فإنه مأجور -إن شاء الله- على إنفاقه، وفي مجتمعنا -ولله الحمد- من أهل الخير والبر من أدرك واجبه الشرعي والوطني والإنساني، وقدم لمجتمعه حق الله سبحانه وتعالى ثم حق مجتمعه في تبني الأعمال الخيرية، ورأينا وسمعنا عن مشروعات عديدة، ولكن البقية الباقية لا أثر لهم ولا خبر.
العمل الخيري فطري في نفوس البعض، وليس كما يراه البعض أنه عمله مقتصراً على المال فقط، بل له وجوه متعددة، ورجال الأعمال لدينا يختلفون في أعمالهم الخيرية، وهم على عدة أصناف:
الصنف الأول: لا نسمع لهم أي جهد أو أعمال تذكر، لا من قريب ولا من بعيد، فلا تبرعات ولا نفقات، للجانب الخيري أو الإنساني، أو خدمة المجتمع.
وإذا ما طرقت أبوابهم، تحججوا بأنهم صرفوا، ما لديهم في أوجه الخير لأعمال أخرى، ولكن لا شيء يذكر.
الصنف الثاني: نقرأ ونسمع عن تبرعاتهم في دول صديقة وشقيقة، ولم نر ونسمع أي تبرع لهم في مجتمعنا مع الأسف، وهؤلاء كالنخلة العوجا.
الصنف الثالث: ينفق عشرات الآلاف في سبيل خدمة المجتمع، ولكن يحصره في نطاق ضيق، هو الرياضة فقط، ولكن جمعية البر والجمعيات الخيرية والإنسانية لم تر له أثراً في بنيانها.
الصنف الأخير والمبارك: تجد له في كل مشروع خيري وإنساني، ولخدمة المجتمع جهود تذكر فتشكر، وهذا الصنف لا يتوانى عن المساهمة في كل مشروع خيري، وأمامي من هذا الصنف عشرات الأسماء لرجال الأعمال في بلادنا الذين قدموا وساهموا وتبنوا مشروعات خيرية لا زالت ثمارها تجنى في عدد من مناطق المملكة.
وختاماً، عمل الخير عائد إليك طال الزمن أم قصر أضعافاً مضاعفة، ولكن أخلص النية في فعلها وادع أن الله يتقبلها، وحث الناس على فعلها، «وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله».