د. منى بنت سعيد القحطاني
كيف يمكن لتاريخ وطن أن يُختصر في خمسةٍ وتسعين عاماً، وهو يحمل في طياته قصة التوحيد، وحكاية البناء، وحلم الرؤية الممتد إلى آفاق العالم؟ وكيف يمكن ليومٍ واحد أن يستوعب كل هذا الفخر والانتماء، وكل هذا المجد الذي سكن القلوب جيلاً بعد جيل؟
إن اليوم الوطني السعودي الخامس والتسعين ليس مجرد ذكرى تُروى، بل هو نبضٌ يتجدد مع كل صباح، ليقول للعالم: هنا وطن صاغ تاريخه بحروف الفخر، ومضى في طريق لا يعرف المستحيل. منذ أن أعلن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- توحيد هذه البلاد المترامية الأطراف، لم يكن التوحيد مجرد جمعٍ للأرض تحت راية واحدة، بل كان ميلاداً جديداَ لأمة، وبداية رحلة وطنية تصوغ هوية جديدة للجزيرة العربية. كانت الوحدة وعداً بالأمن بعد الخوف، وبالاستقرار بعد الشتات، وكانت بذرة غُرست لتثمر وطناً شامخاً يزداد قوة مع كل عام.
ثم جاءت سنوات البناء، عقودٌ مضت لتؤكد أن الحلم لا يتوقف عند حدود التأسيس، بل يتجدد في كل جيل. من المدارس الأولى التي احتضنت أبناء الوطن، إلى الجامعات التي فتحت أبوابها للمعرفة، ومن الطرقات البسيطة إلى المشاريع العملاقة، كان الوطن يكبر في العيون والقلوب معاً. وفي كل مرحلة، كانت التنمية تحمل معها قصة إنسان سعودي، يحمل هوية أصيلة، ويخطو بثقة نحو مستقبل يتسع لأحلامه.
ومع تعاقب الملوك من أبناء المؤسس، ظل الوطن وفياً لعهده، ثابتاً على قيمه، متجدداً في عطائه. حتى جاء زمن الرؤية، زمن المملكة التي لم تكتفِ بما حققته، بل أرادت أن تعيد صياغة المستقبل. رؤية السعودية 2030 التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ليست خطةً للتغيير فحسب، بل قصيدة طموح تُكتب بلغة العالم، تُعلن أن الوطن قادر على أن يكون مركزاً عالمياَ للابتكار والاقتصاد والثقافة. إنها الرؤية التي نقلت المملكة من حدود المكان إلى رحابة الزمان، ومن الاعتماد على النفط إلى استثمار العقول والقدرات.
ما يجعل هذه المسيرة أكثر تفرّداً وقوة هو أن المواطن ظل قلبها النابض وروحها الحية.
وفي اليوم الوطني، يفهم كل سعودي أن الانتماء ليس شعاراُ يُردّد، بل مسؤولية تُمارس وتُترجم في الواقع. ففي المدارس تُزرع القيم الوطنية في وجدان الناشئة، وفي الجامعات تنفتح العقول على آفاق الغد، وفي ميادين العمل تُشيَّد الإنجازات بسواعد الأجيال الطموحة والطاقات السعودية التي تكتب فصول الرؤية يوماً بعد يوم. فالوطن ليس حدوداً ترسم على الخريطة، بل روح تسكن القلوب وتنمو مع أبنائها خمسة وتسعون عاماً، من التوحيد إلى الرؤية، ومن الحلم الأول إلى الإنجازات المتلاحقة، هي مسيرة وطن كتب التاريخ بأحرف من نور. وفي هذا اليوم العظيم، لا نحتفل بالذاكرة وحدها، بل نحتفل بالمستقبل أيضاً، نرفع الراية ونقول للعالم أجمع:
هنا وطن يليق بالمجد، وطن كبر في القلوب حتى صار بحجم السماء.