د.عبدالرحيم محمود جاموس
نزوح غزة.. جرح مفتوح في ضمير العالم.. النزوح في غزة ليس انتقالاً طوعياً ولا خياراً يمكن مراجعته، بل هو اقتلاع قسري من الجذور، ودفع للمدنيين الأبرياء إلى المجهول تحت وابل القصف وحرائق الدمار، مئات الآلاف من سكان المدينة تركوا منازلهم التي حملت ذكريات العمر، هاربين من موت محقق إلى حياة لا تقل قسوة في مدارس مكتظة أو خيام ممزقة لا تقي برد الشتاء ولا حر الصيف.
في مراكز النزوح تتجسد المأساة بأبشع صورها: مياه ملوثة بالكاد تكفي للشرب، غذاء شحيح لا يسد الرمق، أدوية نادرة تتسبب في تفاقم الأمراض، وأطفال ينامون جائعين يلفهم الخوف أكثر مما يدفئهم الغطاء. النساء يفقدن أبسط مقومات الخصوصية والكرامة، والشيوخ يُثقلهم العجز أمام أحفاد يسألون عن بيت ضاع، فيما الشباب يتيهون في حاضر مسدود الأفق ومستقبل غائم.
النزوح في غزة ليس مجرد حركة من مكان إلى آخر، بل محاولة لطمس الهوية وتفريغ الأرض من أهلها.
إنه عقاب جماعي مقصود، يُراد به كسر الإرادة الفلسطينية وتطويعها بالقهر والجوع والخذلان، لكنه في الوقت نفسه شاهدٌ حي على صلابة شعبٍ يتشبث بحقه، إذ يحمل النازح الغزّي بيته في قلبه، وذاكرته في وجدان أبنائه، مؤمناً أن الخيمة ليست وطناً، وأن العودة حق لا يسقط بالتقادم ولا بالدمار.
هذه المأساة تتجاوز حدود غزة لتطرق ضمير العالم بأسره، النزوح هنا ليس رقماً في تقارير المنظمات الدولية، بل حياة تُسحق كل يوم أمام أعين الجميع. إن إنقاذ النازحين واجب إنساني وأخلاقي وقانوني، ووقف نزيف التهجير مسؤولية دولية عاجلة، لأن استمرار هذه المأساة يعني مزيداً من الألم، ومزيداً من التهديد للأمن والسلم الإقليمي والدولي. ورغم قسوة النزوح، تبقى غزة شاهدة على معادلة لا تنكسر: الأرض أقوى من الغزاة، والذاكرة أعمق من الطمس، والإرادة أصلب من الحصار.
غزة تقول للعالم، حتى في نزوحها: نحن هنا، باقون، ولن نصير غرباء في أرضنا.