د. فهد بن أحمد النغيمش
كرسي الإدارة حلم يراود الكثيرين ويتطلع إليه أكثر الموظفين لما يحمله من رمزية في المكانة وتقدم في الريادة وإحساس كبير بالمسؤولية والقيادة.. هو في حقيقته لا يورّث ولا يُخلّد وهو ليس مكافأة.. بل في واقعه المعرفي والعملي وكذلك الشرعي هو ابتلاءٌ واختبار لك كمسؤول ولمن حولك من مرؤوسين، كرسي الادارة والقيادة يعطيك سلطةً مؤقتة سرعان ما تزول ولكن بعد أن يكشف معدنك الحقيقي ويعريك أمام فريقك.
يراقبك بصمت.. لا ليكافئك، بل ليشهَد عليك يوماً بأنك قد مررت من على هذا الكرسي فأحسنت الادارة أو أسأتها، وكما قيل قديماً (كرسي المنصب مثل كرسي الحلاقة) ليس ملكاً لأحد ولم يكتب باسم شخص ما، بل يجلس عليه أناس ثم سرعان ما يغادرونه ويأتي آخرون ثم يذهبون فإن ظننت أنه يُخلّد، أخطأت في فهم اللعبة وإن حسبته امتداداً لك، فقد بدأت الانفصال عن الواقع.
بعض القادة ينطبق عليه حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في وصفه عليه الصلاة والسلام لكل انسان يغادر هذه الحياة وحال الناس بعده فقد قال صلوات ربي وسلامه عليه «مستريح ومستراح منه».. البعض يذكره الناس بكل خير ومعروف سواء في تعامله وانصافه وعدله بين مرؤوسيه، لا يغلب آراءه الشخصية ولا مصالحه الخاصة يحفّز ويشكر ويوجه وينصح بهدوء وروية دون تجريح أو تفضيح، ينتج ويبتكر ويعمل بروح الفريق الواحد دون استئثار أو أنانية ولذا قيل: الكرسي لا يحفظ أسماء من جلسوا عليه.. بل يحفظ الأثر الذي خلّفوه بعد أن رحلوا. والمصيبة ليست في أن تغادره... بل أن تغادره دون أن يُفتقد حضورك بل قد تكون علامة سيئة وفارقة في مسيرة المنظمة!!
في النهاية، ما يبقى ليس شكل الكرسي، بل هيئة من جلس عليه.. هل كان قائداً؟ أم مجرد عابر.. جلس، وتجمّل، ثم اختفى..؟ الكراسي لا تختبر الذكاء، بل تختبر الاتزان تحت الضوء، والنزاهة خلف الأبواب المغلقة. والقادة الحقيقيون لا يُقاس أثرهم بمدة البقاء، بل بمقدار ما تغيّر حولهم بوجودهم فالأثر هو السيرة الحقيقية.. وكل ما عداه مؤقت وزائل!
كرسي الإدارة ينبغي أن يكون صعب المنال وفق معايير محكمة وقواعد منظمة يُحتكم إليها حال ترشيح أو تكليف ولذا كان من الصعب على كل شخص يطلب القيادة أو تسمح له الظروف المحيطة أن يجلس على الكرسي وأن يقال له أبشر.. لأن من تولى أمر الناس ولو حارساً على باب بات به رهيناً. عن أبي ذرٍّ، رضي الله عنه قال: «قلت يا رسولَ اللهِ ألا تستعملْني؟ فضرب بيدِه على منكبي ثم قال: يا أبا ذرٍّ إنك ضعيفٌ وإنها أمانةٌ، وإنها يومَ القيامةِ خزيٌّ وندامةٌ!!
المنصب لا يدوم لِأحد... سيتغير الوضع لأي سبب وستترك كرسيك الذي قد تكون جمّلته وهيأته وأضفت عليه هيبة ومكانة ولا يبقى معك إلا مواقفك التي سيذكرك بها الآخرون في المناسبات واللقاءات أو حتى بعد مماتك.. إما أن يدعو لك أو يدعو عليك..
لذا احرص دائما ان يهابك الناس حباً واحتراماً.. وليس خوفاً منك أو رِياء.. فالمناصب لا تصنع الرِجال.. بل الرِجال من تصنع المناصب.. كن قدوة لمن حولك بحسن تعاملك وبعدلك وإنصافك ولا تكن يوماً سبباً في قطع الأرزاق ظلماً وعدوانً، أو أن تكون مرمى لسهام الدعاء عليك، سواء من مظلمة عملتها أو تعامل سيئ وقع عليهم، فإن دعوة المظلوم لها ناصر في السماء يقول سبحانه: {وَعِزَّتِي وجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ}.