مبارك بن عوض الدوسري
تحل الذكرى الحادية عشرة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- والوطن يزهو بقيادة استثنائية وضعت بصماتها في مختلف ميادين التنمية والبناء، وفي مقدمتها الميدان الكشفي الذي يمثل أحد أوجه القوة الناعمة السعودية ورسائلها الإنسانية للعالم.
رؤية ملكية سابقة لعصرها
لم يكن ارتباط الملك سلمان بالحركة الكشفية وليد توليه مقاليد الحكم، بل هو مسار ممتد منذ أن كان أميراً لمنطقة الرياض، حيث عُرف باحتفائه بالشباب ودعمه المبكر للمبادرات التربوية والمجتمعية، ومن شواهد ذلك استقباله لوفود كشفية عالمية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ورعايته لمؤتمرات عربية وإقليمية أسست لتنامي الدور الكشفي السعودي، وصولاً إلى افتتاحه معرض السلام العالمي عام 1429هـ إلى جانب ملك السويد، حيث تقلّد زمالة «بادن باول» التي تُمنح للبارزين في دعم الحركة الكشفية.
تعزيز البعد العالمي للمملكة
في عهد خادم الحرمين الشريفين، لم تعد الكشافة السعودية مجرد نشاط شبابي محلي، بل تحولت إلى رافعة لقيم المملكة في السلام والتعايش، فالمشاركات السعودية في المخيمات الكشفية العالمية باليابان (2015)، والولايات المتحدة (2019)، وكوريا الجنوبية (2023)، لم تكن مجرد حضور بروتوكولي، بل جسدت حضوراً نوعياً يرسخ صورة المملكة كداعم للتواصل الحضاري. كما أن المؤتمرات الكشفية العالمية التي شهدتها أذربيجان (2017)، والنسخة الافتراضية (2021)، والقاهرة (2024) أكدت أن المملكة لاعب رئيسي في صياغة مستقبل الكشفية.
«رسل السلام».. مشروع سعودي بروح إنسانية
من أبرز بصمات الملك سلمان في المشهد الكشفي العالمي دعمه لمشروع «رسل السلام» الذي انطلق من المملكة ليصبح مبادرة إنسانية عالمية أسهمت في إلهام ملايين الكشافة حول العالم، ونشر ثقافة السلام والعمل التطوعي. وتجديد الاتفاقية الخاصة بالمبادرة لعشر سنوات قادمة بتمويل سعودي قدره 50 مليون دولار يؤكد استمرارية هذا الالتزام الإنساني، ويرسخ مكانة المملكة كداعم أول للحركة الكشفية في 176 دولة، وكذا إطلاق مشروعات رسل السلام بحضور صاحب السمو الملكي الأمير غيوم جان جوزيف ماري ولي عهد دوقية لوكسمبورغ الكبرى، عضو مجلس إدارة صندوق التمويل الكشفي العالمي.
تحولات مؤسسية ورؤية مستقبلية
لم يقف الدعم عند البعد الرمزي، بل تجسد في قرارات محورية كان أبرزها صدور النظام الجديد لجمعية الكشافة وإعلان لجنة فتيات الكشافة، ثم قرار أن تكون وزارة التعليم الجهة المشرفة فنياً على الجمعية، ما يعكس توجهاً استراتيجياً لدمج العمل الكشفي في منظومة التعليم الوطني، هذه التحولات لا تخدم الداخل فقط، بل تمثل رافداً لتعزيز صورة المملكة كحاضنة لبرامج شبابية عصرية تتسق مع رؤية 2030.
حضور ملكي يكرّس المعنى
يحرص خادم الحرمين الشريفين في كل موسم حج على استقبال الأسرة الكشفية إلى جانب قادة القطاعات العسكرية، في مشهد يبعث برسالة عميقة مفادها أن الكشفية ليست مجرد نشاط، بل هي شريك أصيل في خدمة ضيوف الرحمن ومظلة للعمل التطوعي المؤسسي.
أثر ممتد ومستقبل واعد
اليوم، وبعد أحد عشر عاماً من البيعة المباركة، يمكن القول إن الملك سلمان لم يكتفِ بدعم الكشفية كفعالية شبابية، بل وظّفها كأداة استراتيجية في الدبلوماسية الإنسانية، وكقوة ناعمة سعودية تخاطب العالم بلغة السلام، وهو ما يجعل المرحلة القادمة زاخرة بالفرص لتعزيز الدور السعودي في صياغة مستقبل الحركة الكشفية عالمياً، خصوصاً مع تبني برامج نوعية ترتبط بالبيئة، والسلام، والعمل التطوعي، والتنمية المستدامة.
ختاماً.. في ذكرى البيعة الحادية عشرة، يقف أبناء الوطن بكافة فئاتهم وقفة وفاء وعرفان لقائدٍ جعل من العمل الإنساني والتمكين الشبابي نهجاً راسخاً، ومن الكشفية جسراً يربط القيم الوطنية بالرسالة العالمية.
إن كلمات الشكر تعجز عن التعبير أمام عطاءات خادم الحرمين الشريفين، غير أن القلوب تهتف بالدعاء أن يحفظه الله ذُخراً للوطن وعزاً للإسلام والمسلمين، وأن يمده بموفور الصحة والعافية ليواصل مسيرة الخير والعطاء.