د. سطام بن عبدالله آل سعد
الاتفاق.. فريق يملك عمراً يقارب الثمانين عاماً، لكنه ما زال يتصرّف وكأن الزمن توقّف عند الثمانينيات. فمنذ انطلاق الدوري الممتاز عام 1977م لم يحقق الاتفاق لقب الدوري سوى مرتين فقط، في 1983م و1987م، ثم غاب 38 عامًا كاملة، وكأن الكؤوس حُجزت في أرشيف الصور لا في خزائن النادي. ومنذ ذلك الحين تعاقب على النادي أربعة عشر رئيسًا، غير أن المدرسة الإدارية التي أفرزوها بدت واحدة لا تتغير، تتكرر فيها الوجوه كما يتكرر الأسلوب، فكانت النتائج بدورها مكرّرة، لتجد نفسك أمام إدارة تعيش على أمجاد تُستعاد في الخطاب أكثر مما تُترجم في جدول الترتيب، فيما يبقى المستقبل معلّقًا بانتظار إصلاح الفكر الإداري وبناء منظومة حقيقية، لا الاكتفاء بتغييرات شكلية في الأشخاص والمناصب.
هذه ليست رواية عاطفية، بل حقيقة مكتوبة بالأرقام. فعلى مدى 47 عامًا، استقر متوسط ترتيب الاتفاق في الدوري عند حوالي المركز التاسع، ومتوسط انتصاراته نحو 33 % (قرابة 11 فوزًا في موسم من 34 مباراة). في حين كانت هناك ومضات قصيرة العمر، مثل المركز الرابع في 2012 أو الخامس في 2021، لكنها انطفأت سريعًا، إذ لحقتها هزّات قاسية كمركز 12 من أصل 14 أو 16 فريقًا، وصولًا إلى السقوط المدوي والهبوط للدرجة الأولى في موسم 2013/2014. وحتى الموسم الماضي، برغم تحقيق 14 فوزًا، لم يتجاوز المركز السابع في دوري يضم 18 ناديًا؛ أداء يوصف بأنه «شبه مقبول»، لكنه أبعد ما يكون عن «منافس».
إن كلمة «فشل» موجعة، لكنها تبقى الحقيقة التي يعرفها الجميع حتى لو أنكروها؛ فالاتفاق يعيش ثلاثة وجوه لهذا الفشل: فشلٌ تنافسي؛ لأن اللقب غائب منذ أكثر من أربعة عقود، وفشلٌ تراكمي لأن كل قفزة يتبعها سقوط أسرع، وفشلٌ مؤسسي لأن النادي بلا منظومة راسخة تُنتج الإنجازات والمواهب بصورة مستمرة.
أمّا حين نتحدّث عن جماهير الاتفاق، فهي من أعرق وأرقى جماهير الدوري؛ جمهورٌ صبورٌ ظلّ لعقودٍ ينتظر عودة ناديه إلى مكانته الطبيعية. وهو جمهورٌ لا يطلب المستحيل؛ كلّ ما يريده استراتيجيةٌ واضحةٌ تُترجم إلى بطولات، وخارطةُ طريقٍ حقيقيةٌ مزوّدةٌ بأدواتٍ إداريةٍ وفنيةٍ ومالية، تقوم على الاستدامة والحوكمة والشفافية التي لا تعرف المجاملة.
هذه الجماهير لا تريد شعاراتٍ ولا وعودًا عابرة، بل ناديًا يُدار كمنظومةٍ محترفة؛ حيث يكون كلّ فوزٍ ثمرةَ عملٍ مؤسّسيٍّ مُخطّط، وكلّ خسارةٍ محطةَ مراجعةٍ وتصحيح، لا محطةَ تبريرٍ وتسويف.
الاتفاق ليس ضحية التاريخ، بل ضحية طريقة إدارية متكررة؛ فتاريخ النادي لم يمنعه من الوقوع في دوامة الأسلوب الواحد، حيث تغييرات في الوجوه لا تغييرات في الفكر.
وإذا لم تتبدل هذه الطريقة، فلن يختلف الغد عن اليوم، وسيبقى الجمهور يقرأ الأرقام نفسها، ويسمع الأعذار نفسها، ويطرح السؤال ذاته: لماذا بطولتان دوري فقط؟ الجواب ببساطة: لأن ناديًا كبيرًا ما زال يُدار بفكر فريقٍ متوسط. والجماهير، في صبرها الطويل، تُردد وكأنها صوت الاتفاق نفسه:
أحسّ إنّي وسط ليلٍ طويلٍ ناسي فجـره :: أعيش بظلمته وأسـرح بأفكاري إلى المجهـول