بدر سعد الزير
عندما تكون الكتابة عن من نحب، يقف القلم عاجزًا، تتجمّد الحروف في محبرة الألم، يصبح الحبر أثقل من أن يسيل، فكيف يمكن للكلمات أن تصف غياب الأب والأم، وهما الجذور التي نبتت منها أرواحنا، والظل الذي احتمينا به، والدفء الذي غمر أيامنا، وكيف يسعفنا الكلام في لحظة يصبح فيها الصمت أبلغ؟
فقد الوالدين ليس حدثًا عابرًا، بل زلزالًا هز أعماق النفس، واقتلع الطمأنينة من جذورها، وتركنا تائهين في فراغٍ لا يُسد، فقد الوالدين جرح مفتوح لا يلتئم مهما مرّت السنوات، لأن الغائب هنا ليس شخصًا عاديًا، بل حياة كاملة تجسدت في حنان الأم ونصائح الأب، في لمسة يديهما، في دعائهما، وفي وجودهما الذي كان سندًا ومعنى.
بعدما فقدت أبي وأمي، عرفت أن العمر فقد نكهته، وأن الصبر ما هو إلا قارب هشّ وسط أمواج الفقد المتلاطمة، ومع ذلك ظل قلبي متشبثًا بخيوط الذكرى، أبحث بين الصور وصدى الضحكات القديمة عن حضن أمّي، وصوت أبي.
فقد أمي وأبي علمني أن كل كلمة حب لم تُقل، وكل قبلة لم تُطبع على جبينهما، وكل دعاء لم يُسمع، يصبح ثِقلاً نحمله في الغياب.
لعل أعظم ما تركه أبي وأمي بعد رحيلهما هو ذلك الأثر العميق في نفسي وإخوتي، الأثر الذي يجعلنا نستحضرهم في صلواتنا، في دموعنا، وفي كل لحظة حنين.
رحل (أبي) ورحلت (أمي)، لكن ملامحهما باقية في أعماقنا، وصوت دعائهما يسكن الذاكرة، وكأنهما يعيشان فينا بقدر ما نفتقدهما، ويبقى فقدهما شاهدًا على أن أعظم الحب هو ذاك الذي يُخلّف وجعًا لا يُشفى، وحنينًا لا ينتهي.
خاتمة للشاعر: سعدون العواجي
من عقبكم ما نبكي الحي لو مات
ولاني على الدنيا كثير الحسوفي