د. محمد عبدالله الخازم
مقدمة تاريخية. كتبت عام 2003م عن برنامج طب جامعة الملك سعود بن عبد العزيز الصحية (سعود الصحية) وكانت الإجابة، نحن نحاكي النموذج الأمريكي بقبول خريجي الصيدلة والعلوم الطبية للالتحاق بالطب، وهو ما لم يكن مستنداً على أسس علمية واضحة كما عبرت عنه حينها.
أتيحت لي الفرصة للعمل بذات الجامعة، ومع بداية عملي بها - 2006/ 2007م - رأيت أننا لسنا مؤهلين/ جاهزين حينها لتدريس السنوات التحضيرية، مقترحاً التعاون مع جامعة الملك فهد للبترول لمساعدتنا في هذا الشأن. رحبت جامعة البترول بالفكرة وتم زيارتها من قبل أساتذة سعود الصحية، لكن المبادرة أجهضت من قبل سعود الصحية!
سعود الصحية جلبت مناهج عالمية في أغلب تخصصاتها، لكن الدورة الأكاديمية تبقى عرجاء بدون تأسيس متميز في العلوم الاساسية، باعتبار النموذج الأمريكي يرتكز على قوة العلوم الأساسية. كان المطلوب تأسيس كلية علوم/ علوم صحية متميزة لنبدأ تفعيل النموذج المقترح.
لم تكتمل تلك الكلية ولا زالت تعاني بعد عقدين من الزمان إثبات هويتها بين العلوم والمهن الصحية للمهتمين، بعض تلك القصص تجدونها في كتاب «حكايات على الخشم» الصادر عام 2022م، الذي يبرز العلاقة بين الخلفية الثقافية/ المهنية وأثرها في صنع القرارات الإدارية والأكاديمية.
مهندس طبيب. عاد التعاون بين الجامعتين (سعود الصحية والبترول)، عبر فكرة «طبيب مهندس» التي يروج لها بأنها فريدة من نوعها. أرحب بقبول خريج الهندسة في الطب، لكن وفق أسس علمية معلنة وعادلة وشفافة تطبق على الجميع.
المرجعية في ذلك هو نموذج شمال أمريكا - الذي وعدت به جامعة العلوم الصحية - وفيه يدرس الطب كدرجة علمية ثانية بعد تأسيس مميز للطالب في العلوم الأساسية وبعد أن تنضج قدرته على اختيار تخصصه ومهنته. مسمى الدرجة السابقة ليس الأهم؛ هندسة/ علوم/ علوم صحية/ إلخ؛ وإنما الاعتبار للمواد التي تم دراستها بتفوق - علوم، رياضيات، علوم سلوكية وغيرها- يلي ذلك اجتياز اختبارات ومعايير القبول. نموذج تعليم الطب الأمريكي شرحته في مقالي «أعيدوا النظر في تدريس الطب» بتاريخ 24-2-2025م.
المطلوب من سعود الصحية نشر معايير وشروط الالتحاق بكلية الطب (المسار محل النقاش) لتتاح للجميع؛ المواد المطلوب دراستها، المعدل، اختبارات القبول المعيارية، إلخ. أي إتاحته لخريجي التخصصات العلمية، العلوم والهندسة والعلوم الطبية وغيرها من جميع الجامعات، سعود وحفر الباطن وبيشة وجدة وتبوك وغيرها. اختيار كلية واحدة وضمان قبول خريجيها، يخل بالمنافسة ويعتبر استثناء وتحيز غير مبرر.
مع التوضيح، الهندسة والطب برنامجان/ درجتان مستقلتان وليستا مدمجتان. الحصول على درجتين علميتين في مجالين مختلفين يشكل ثراء معرفيا ومهنيا رائعا، لكننا في النهاية نعمل في مهنة واحدة حيث لكل مهنة شروطها ومرجعيتها العلمية والمهنية..
الخلاصة.
أسست جامعة سعود الصحية عام 2003م كجامعة حكومية بوعود/ مبررات تدريس الطب وفق النموذج الأمريكي، لكنها تعاني فهم النموذج وتطبيقه - ربما - بسبب جمودها العلمي/ الفكري عند نقطة/ اجتهادات التأسيس. هناك حاجة لكسر نمطية صنع القرار ومنح الفرصة لفكر أكاديمي حديث يستوعب تفاصيل وفلسفة النماذج العالمية وآليات تطبيقها.