عايض بن خالد المطيري
لم تعد النجوم حكرًا على السماء، ولا حتى على أكتاف الجنرالات كما هو معروف، بل أصبح بريقها اليوم يسطع بجوار اسم أحدهم في زوايا تطبيق «سناب شات»، وكأنها وسام شرف من الدرجة الأولى. لم نعد نحتفي فقط بنجوم الضباط أو الفن أو الرياضة، بل أصبحنا نحتفل بنجمة رقمية صغيرة تُثير من الضجة والاهتمام ما يفوق إنجازات واقعية بُذل فيها الجهد، وصُنعت بالتعب والمثابرة. يكفي أن تظهر تلك النجمة بجانب الاسم، حتى تنهال التهاني، وتُقام الاحتفالات، وتُقدَّم الهدايا، وتُنظم القصائد، وربما يتحوّل الأمر إلى حدث تاريخي لا يُنسى.
في مشهد يبعث الاستغراب، تحوّلت هذه النجمة الصغيرة إلى مبررٍ لحفلات تُذبح فيها الخرفان، وتُمدّ الموائد، وتُوجَّه الدعوات لوجهاء المجتمع وعلية القوم وأصحاب النفوذ. يُزفّ فيها صاحب النجمة كما لو أنه نال جائزة نوبل، أوحقق فتحًا علميًّا سيُخلَّد في كتب التاريخ.
المثير ليس في الفرح ذاته، بل فيما يليه من تحوّلات في سلوك صاحب النجمة.
فما إن تومض تلك النجمة بجوار اسمه، حتى يبدأ في التغيّر؛ ويتلبّسه الغرور، ويتحدث بلغة «المشاهير»، وكأنه بات شخصية عامة تستحق الموكب والمرافقة، ومكانًا في الصفوف الأولى لكل مناسبة. وتتراجع قيم التواضع والاعتزاز بالذات، لتحلّ مكانها رغبة جامحة في الظهور، ولو على حساب القيمة الحقيقية للإنجاز.
ولا شك أن الفرح بالنجاح والتقدير حق مشروع، بل هو أمر فطري ومطلوب.
لكن ما نشهده اليوم من مظاهر المبالغة والانغماس في وهم الشهرة الرقمية، يكشف عن اختلال في موازين التقدير، وغيابٍ للبوصلة التي تفرق بين التميز الحقيقي، ووهج زائف سرعان ما يختفي.
لقد آن الأوان أن نُعيد تصحيح الاتجاه، وأن نُحيي القيم التي لا تُقاس بالأرقام ولا تُختصر في شارات التوثيق.
آن لنا أن نحتفي بصناع الأثر الحقيقي؛ أولئك الذين يعملون في صمت، ويُبدعون بعيدًا عن الضجيج، تحركهم النية الصادقة، ويقودهم الضمير الحيّ وشغف لا يلهث خلف الأضواء، بل يصنع الفرق في الخفاء.