د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
ترتبط رؤية المملكة 2030 بالسلام عبر تعزيز الاستقرار الإقليمي وتحقيق الرخاء المشترك، مما يعكس التزام السعودية بالسلام الإقليمي والعالمي، ومن خلال رؤية المملكة 2030 تعمل مع الدول الأخرى في العالم لضمان الاستقرار والازدهار، مما يعكس الدور الذي تلعبه السعودية في تعزيز السلام وبشكل خاص في حشد العالم بالموافقة على إقامة دولة فلسطينية لإنهاء الصراع في المنطقة الذي يتغذى عليه الإرهاب والتطرف.
استثمرت السعودية مكانتها ليس فقط الدينية، بل استثمرت مركزها لإنتاج الطاقة التقليدية والمتجددة وحاجة آسيا وأوروبا لهذه الطاقة، خصوصا بعد الحرب الروسية في أوكرانيا التي جعلت من أهمية استعادة سوريا كطريق لوصول الطاقة إلى أوروبا، وإقامة تحالف سعودي - أوروبي لحشد العالم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تنهي الصراع وتتحول المنطقة إلى منطقة جاذبة للاستثمارات والتحول إلى أوروبا الجديدة بحسب رؤية قائد الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
بعد نحو عامين من الحرب في غزة في خطوة يراها البعض تغييرا في قواعد اللعبة تقودها السعودية واعتراف نحو 80 في المائة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حسب إحصاء وكالة الصحافة الفرنسية، اعترفت 151 دولة على الأقل من أصل 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة بدولة فلسطين، جهود السعودية قادت إلى هذا الاعتراف بدولة فلسطين بأنه إحدى أكثر المسائل تعقيدا في القانون الدولي، رغم أن البعض يعد أن ذلك الاعتراف يبدو رمزيا لدى البعض، لكنه في الواقع فهو بمثابة تغيير في قواعد اللعبة، لأن السعودية تدرك أنه بمجرد الاعتراف بدولة فلسطينية يضع فلسطين وإسرائيل على قدم المساواة من حيث معاملتهما بموجب القانون الدولي.
تعد السعودية جسر التواصل بين القارات، على رأسها الممر الشرقي الذي يربط الشرق بالغرب لتعزيز التجارة ويربط بين الهند وآسيا وأوروبا ويقوم ببناء شبكة واسعة من خطوط سكك الحديد وموانئ ومطارات ومناطق صناعية واقتصادية خاصة، يضم الهند ودول الخليج وأوروبا وأمريكا، علق على هذا الممر في قمة العشرين الرئيس بايدن بأنها صفقة كبيرة حقيقية ستتيح فرصا لا نهاية لها للعالم، ويعد الممر الشرق مبادرة لتعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي ويصب في صالح المناطق التي يمر بها ويدفع التجارة نحو النمو.
الممر الاقتصادي يرسم خارطة جديدة في طريق التجارة العالمية ويغير قواعد التجارة العالمية، لأنه يسهل عملية تيسير التجارة للدول المطلة على الممر الذي وقعت عليه السعودية والإمارات والهند والولايات المتحدة مذكرة تفاهم على هامش مجموعة العشرين في نيودلهي في سبتمبر 2023.
الممر الاقتصادي الكبير أعاد إلقاء الضوء على الموقع الجغرافي الإستراتيجي الذي تحظى به السعودية على طريق التجارة بين الشرق والغرب، والثقل الذي تتمتع به في محيطها الإقليمي كنقطة ارتكاز في أي مشروع بين آسيا وأوروبا، سيعزز تمركز السعودية كمحطة للتجارة الدولية، وسيقلل من الكلف اللوجستية والزمنية، وسيوفر خيارات أكبر للسلع بما سيزيد من تنافسية المصنعين وسينعكس في النهاية لصالح المستهلكين وخفض نسب التضخم، والسعودية ودول الخليج أكثر تهيؤا لتكامل هذا الممر مع مبادرتها بتأسيس عدد من المناطق الاقتصادية الخاصة من التخزين إلى إعادة التصدير في المناطق الاقتصادية الخاصة، تستفيد السعودية من هذا الممر بتنشيط التصنيع وتجميع الصناعات لرفع المحتوى المحلي.
كما تؤكد الصين تكامل الحزام والطريق مع رؤية المملكة 2030 يعد رمزا لعصر جديد من الشراكة الإستراتيجية، وذلك في إطار بناء مستقبل مشترك للبشرية، وفقا لتقرير صادر عن مدينة فوجيان ديلي الصينية حيث أكدت الصين التزامها بالسير جنبا إلى جنب مع جميع القوى التقدمية حول العالم.
ووفق التقرير بدأ العمل على مشروع الإيثلين المشترك بين البلدين في فبراير 2024 باستثمار إجمالي بلغ 6.14 مليار دولار، ويتوقع الانتهاء منه بحلول 2026، ويعد هذا المشروع أول شراكة استثمارية مباشرة بين شركة إقليمية محلية وشركة عالمية في صناعة البتروكيماويات، وفي مايو 2024 أطلقت قناة النقل المتعددة الوسائط بين نانتشانغ وشيامن والسعودية ضمن مبادرة طريق الحرير البحري، ستستخدم هذه القناة لنقل منتجات التكرير والبتروكيماويات إلى الأسواق العالمية، وفي نوفمبر 2024 أطلقت المرحلة الثانية من مشروع التكرير والبتروكيماويات في غولي باستثمار إجمالي بلغ 9.74 مليار دولار ليصبح أكبر مشروع صناعي في تاريخ فوجيان، ويهدف المشروع إلى معالجة نقص الموارد النفطية، وتعزيز سلسلة التوريد الكاملة، بما يضمن تطور قطاع البتروكيماويات، حيث يتجاوز التعاون بين السعودية والصين الحدود الجغرافية ليعبر عن إرادة مشتركة لبناء مستقبل مشرق، ومع استمرار المبادرات المشتركة، يبرز تكامل الحزام والطريق مع رؤية المملكة 2030 ليشكل ذلك رمزا لعصر جديد من الشراكة الإستراتيجية بين البلدين.
بذلك تعد المنطقة مفترق طرق للتجارة والفرص والأفكار، فضلا عن كونه منصة لانطلاق المشروعات الريادية، ولدى شركات دول مجلس التعاون إمكانات هائلة للاستفادة من التقدم التكنولوجي في الصين ووصولها إلى الأسواق لتوسيع نطاق أعمالها عالميا وفق المنتدى الاقتصادي العالمي.
يشمل هذا التطور الناشئ طريق الحرير الرقمي الذي يدمج الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الجديدة في نسيج مبادرة الحزام والطريق، بتركيزه على تطوير البنية التحتية الرقمية والتقدم التكنولوجي، يعد طريق الحرير الرقمي بتعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي في جميع أنحاء آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي وسينتج عنه تعزيز الخدمات الرقمية، وتقوية العلاقات الاقتصادية مع الصين، وزيادة الاستثمار الأجنبي والمعرفة التكنولوجية، حتى تصبح دول مجلس التعاون الخليجي مركزا للتحول الرقمي والتجارة مستفيدة من موقعها الجغرافي الإستراتيجي.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة ام القرى سابقا