د.عبدالعزيز الجار الله
تعد مستوطنة (مصيون) الواقعة شمال غرب منطقة تبوك، أقدم مستوطنة معمارية مكتشفة حتى الآن بالمملكة، فقد ذكر سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة التراث، في 25 سبتمبر 2025 عن اكتشاف أقدم مستوطنة معمارية في الجزيرة العربية، وذلك ضمن أعمال التنقيب الأثري التي تنفذها الهيئة بالشراكة مع جامعة «كانازاوا» اليابانية، وبالتعاون مع نيوم في موقع «مصيون» شمال غرب مدينة تبوك.
وهذه الجهة التي أشار لها وزير الثقافة هي الركن الشمالي الغربي للمملكة العربية السعودية، وأيضا ركن الجزيرة العربية تمثلها اليوم منطقة تبوك، وضلعها الغربي هو البحر الأحمر وخليج العقبة، ويطلق تاريخياً على خليج العقبة خليج لحيان نسبة إلى مملكة دادان ومملكة لحيان خلال الألف الأول قبل الميلاد، 700 ق.م و100 سنة بعد الميلاد شملت: تيماء والعلا وعكمة والحجر مدائن صالح، وهي واقعة في منطقتي تبوك والمدينة المنورة وحالياً يطلق عليها نيوم، ومستقبلاً قد يطلق على خليج العقبة خليج نيوم والذي يبلغ طول الخليج نحو 200 كيلومتر، طول سواحله داخل الحدود السعودية تبلغ 180 كيلومتر.
كما أن هذه الناحية هي أيضا الممر الحضاري الذي يربط الجزيرة العربية ببلدان الشام: الأردن وسوريا وفلسطين ولبنان.وتركيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى ربطه لدول الشمال الإفريقي العربية.
أما تركيبتها الطبوغرافية فهي مزج من الجبال والأودية والسهول والسواحل تعد أرضاً للحضارات القديمة إلى جانب خليج العقبة (لحيان) فهي تشتهر بالجبال جبال مدين الشهيرة الامتداد الشمالي للمرتفعات الغربية السروات والحجاز، وشرقها تقع هضاب حسمى وجبال متفرقة أشهرها جبال اللوز تأسست في أعلى مرتفعاته مدينة تروجينا التي ستقام عليها الدورة الشتوية الآسيوية عام 2029، كما تشتهر بظاهرة جيولوجية هي حرة عويرض وحرة الرحى وهما من البراكين الخامدة، إضافة إلى متحف النقوش والكتابات في جبل عكمة التي تعود إلى الكتابات الثمودية القديمة.
وفي تفاصيل اكتشاف مصيون في تبوك:
- يعود تاريخ المستوطنة (إلى العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار، وتحديدًا إلى الفترة بين 11000 و10300 سنة من الوقت الحاضر.
- وأدرج موقع «مصيون» ضمن سجل الآثار الوطني منذ عام 1978م، إلا أن الدراسات الميدانية الحديثة، التي انطلقت في ديسمبر 2022م، أعادت الكشف عن أهميته التاريخية بوصفه أقدم نموذج معروف للاستقرار البشري في الجزيرة العربية.
- نفّذت هيئة التراث عبر فريقها العلمي المشترك مع الجامعة اليابانية أربعة مواسم ميدانية مكثفة حتى مايو 2024م، شملت أعمال تنقيب منظمة باستخدام منهجية علمية دقيقة، تضمنت توثيق الطبقات الأثرية، وفرز وتصنيف المعثورات، وتحليل العينات العضوية لتحديد العمر الزمني بشكل مطلق.
- أسفرت أعمال التنقيب عن اكتشاف وحدات معمارية شبه دائرية، مشيدة بأحجار جرانيتية محلية تضم مباني سكنية، ومخازن، وممرات، ومواقد نار عكست تخطيطًا وظيفيًا متقدمًا يتناسب مع طبيعة العيش القائم على الصيد وزراعة الحبوب في تلك الفترة.
- عثر على مجموعة كبيرة من الأدوات الحجرية تشمل رؤوس سهام، وسكاكين، ومطاحن يرجّح أنها استخدمت في درس الحبوب، إلى جانب أدوات زينة مصنوعة من أحجار الأمازونيت، والكوارترز، والأصداف، ومواد خام تدل على نشاط إنتاجي داخل المستوطنة.
وشملت المعثورات أيضًا بقايا نادرة لهياكل بشرية وحيوانية، وقطع حجرية مزخرفة بخطوط هندسية، ما يشير إلى دلالات رمزية، ويمنح الباحثين بعدًا أعمق لفهم نمط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المنطقة خلال العصر الحجري الحديث المبكر.
- أكّدت هيئة التراث أن هذا الاكتشاف يمثل منعطفًا علميًا مهمًا في فهم بدايات الاستيطان البشري المستقر في شمال غرب المملكة.