فضة حامد العنزي
عندما أرى أمامي الناجحين يُكرَّمون فوق منصات التتويج أصفق للناجح مرة واحدة بمجموعة تصفيقات متتالية، وعندما أرى المتعثرين ينزوون في زاوية الغرفة وقد قعدوا قعدة القرفصاء، أو تحت غطاء النوم يبكون أصفّق للمتعثر مرتين بمجموعتين من تصفيقات متتالية؛ فتصفيقي للناجح مرة؛ ليستمر في نجاحه، وهو عارفٌ طريقه الصحيح؛ فليحرص ألا يضل، وتصفيقي للمتعثر مرتين؛ المرة الأولى تشجيعًا له ليقوم من عثرته، والمرة الثانية ليقوّي نفسه ويسعى ويدل على الطريق الصحيح وينجح فليجتهد وليسع.
وأقول هنا للناجح: لا تغتر بمكانتك أو منصبك ولا تحبط نفسك إذا كثر تعبك، كن اليوم ناجحًا وغدًا فالحًا ومستقبلاً فائزًا.. تمسك بنجاحك المعهود فلا تكسل ولا تضعف.
وأقول للمتعثر: ليس هذا نهاية المطاف؛ الفرص أمامك والميدان يحتاجك، ويرجو سعيك ومحاولاتك وإصرارك الحثيث، فلتبق اليوم طامحًا وغدًا محققًا ومستقبلاً ناجحًا، وآمالك هي آمالك تعانق عنان السماء؛ فلا تيأس ولا تفتر.
النجاح جميل؛ طعمه رائع عجيب! من يعتاده يسعد ويعلم أن سعادته في استمرارية النجاح، فليستمر ناجحًا.
والفشل مرٌّ طعمه وموجع! من يعتاده يتألم ويعلم أن ألمه في استمرارية المحاولة الفاشلة مرارًا من دون نجاح أو من دون تعلُّم يقوده للنجاح، فلْيحاولْ حتى ينجح وينجح كثيرًا!
وأقول هنا - وأخصّ المتعثّر أو المكتئب:
أراك قد وضعت نفسك في متاهات، يعتريك حزن لا يعرف الفصول الأربعة، وستبقى مكتئبًا إن كنت حقًّا مكتئبًا، وستظلّ وقتًا مكتئبًا -قصر أو طال ذلك- وإن تعجلت.. ومن الأجواء والصور والأصوات والمواقف ما هي ممتعة تعيدك وترمّمك بشكل ملحوظ وعاجل أو غير ملحوظ مبكرًا وعلى نحو تدريجي.
نعم أشعر بك وبحزنك الشديد الموجود بك المنعكس بي.. إني أراك وأرى حزنك القابع بداخلك حتى لو أحاطتك أزهار الربيع، وعطَّرت رئتيك خزامى الأرض، وأسمعتك العصافير زقزقة، والبلابل تشدو النشيد، وناداك خرير الماء والشلالات، وصفق لك حفيف الشجر.. يؤلمني أنه لا يداعبك المطر كما كان، وكما هي طفولتك وفرحتك بهطوله، كما كنت تركض حافيًا على الأرصفة وعلى الوحل الخفيف تتزحلق ببراءة وتلعب.. أصبحت لا تقطف من الثمار الناضجة حولك ولا تقطف من الأزهار الممتدة أيضًا.. لا تدهشك سنابل القمح الملأى، ولم يعد يغريك جمال الربيع وموعد الحصاد، ولا صوت الحفيف يؤنسك، ولا يستهويك دفء فرو الشتاء المطرز بخيوط صوفية، والمنقش بألوان عدة أو بلونين، ولم تعد تطيل الجلوس بمقربة شبة النار وهو يضم الحطب ويحتوينا الدفء وفوقه إبريق معدني قد اسودَّ أسفله لكثرة استخدامه، وبداخله قد انسكب الحليب أو الشاي اللذيذ ينكَّه -لمن يرغب- بالزنجبيل أو النعناع أو أوراق من الحبق أو من القرفة أعواد أو مطحونة ويقدَّم ساخنًا.. وإذا بصوت ضحكات حبيبك أو قريبك تأتي من بعيد شعوريًّا لتقرب لك وهو بقربك فتدغدغ مشاعرك وتكون ذا وقع جميل بداخلك ودموعك على خديك تعبر عن حالك الحزين.. وإذا بصلاتك تكون مراهمك ودعاؤك هو بلسمك فيعود لك اطمئنان شرد وتشعر براحة بعد مغادرتها.. وتشعر بأمان عاد بعد أن نزع.. لا يعني أنك مكتئبٌ أنه لن تتحسّن حالك أبدًا بالمجريات والمناظر الطبيعية الخلاَّبة، بلى أنت تتحسَّن دون أن تدري أحيانًا.. فشعور العافية يجري فيك متى تعلَّق قلبك بالله ثم جريت أنت للعافية لتعانقها وتتبع الأسباب التي هيّأها الله لك ولمصلحتك.. ولْتعلمْ أن الشفاء التامَّ من الله قد يأتي بمرحلة إن أراد الله أو بعد عدة مراحل منها وأولها وإن لم يكن كلها: طَرْق باب الله ومناداته ومناجاته، ثم محاولتك أن تتعافى من داخلك نفسك فعقلك وأيضًا أن تتعافى باتباع علاج طبيبك الماهر، أو قراءتك آيات تتلوها ترقي بها نفسك، أو من سماع راقيك التقيّ الذي يرقيك، أو من أخذ ملاعق من العسل، أو باغتسال سدر، أو بأخذ حبة البركة، أو بعمل تلبينة نبوية، أو بعلاج الطب، أو، أو.. الأسباب كثيرة والعلاج من الله أولاً؛ لذلك احذر السقوط أو التعثُّر بتتبع كل ما يحزنك ويؤلمك، والجري وراء الأوهام في الحب والعلاقات أيضًا، وفي أمور الحياة ككل، وتجنب سوء الظن المتعب، فإن حصل ووقعت يومًا ما فانهض مجدَدًا، لا تيأس.. نعم؛ النفس البشرية تشعر وتحسُّ وتتأثّر وتعاني، لكنها تقوى بالله سبحانه ثم بمن يساندها حقيقةً بحب ووفاء وبذل وعطاء، لا أقوالاً دون أفعال تُحمد وتؤكد صدقهم.
لا تركن لحزنك هذا، ولا تجعله مستمرًّا في تفكيرك.. لا تجعله في ليلك ونهارك في صيفك وشتائك وفي ربيعك وخريفك.. انطلق للحياة.. الحياة جميلة بتفاؤلك بانبساطك بنقائك بعيدًا عن مساوئ الأخلاق قريبًا لفضائلها.. حكم عقلك، قو نفسك، رقق تعاملك محسنًا، وصلِّ صلواتك تقيًّا تخشى الله وتخشى العواقب الوخيمة من جراء أي عصيان لله.
كن أنت بلسمًا لجراحك.. لا تقس على نفسك.. كن رحيمًا عطوفًا لا تجهدها بالآهات والأنين كلَّ حين.. نفسك أولى بالشفقة قبل غيرك إلا مَن تخصُّهم بالإيثار على نفسك.
أرجوك دع جلد الذات وقدِّم التحفيز المثمر الجميل.. أرجوك لا تيأس ولا تشعر نفسك بوجود أطنانٍ من الأوجاع فوق ظهرك، ولا أحمالٍ من الهموم فوق رأسك.. كن مبتسمًا سعيدًا مبتهجًا؛ فأنت تحتاج الأمل، والأمل حينما يعرفك محبًّا له يعانقك ويحلق بك نحو السحب والسعادة والحب والعبادة الحقة لله.