د. سطام بن عبدالله آل سعد
حين يتحوّل الإيجار من كابوسٍ شهري يرهق الأسر إلى قرار استراتيجي يعيد ترتيب السوق والمدينة والمجتمع، ندرك أننا أمام نقطة تحوّل حقيقية تصب مباشرة في مصلحة المواطن، ويتجسد ذلك في قرار سموّ ولي العهد -حفظه الله- بإيقاف زيادة الإيجارات، وهو قرار يشكّل رسالة طمأنينة للأسرة، وفرصة تنمية للمجتمع، وخطوة عملية تمهّد لخمس سنوات من الاستقرار والإصلاح، تستند إلى الركائز التالية:
1) استقرار الاقتصاد الحضري
المواطن أول المستفيدين، فالإيجار سيتراجع عن استنزاف دخله، ما يجعل تكاليف المعيشة تستقر، والقوة الشرائية ترتفع، والطلب المحلي يزداد توازنًا، ومع استمرار القرار ستنعم الرياض باستقرارٍ إيجاري يخفّف أثر تقلبات الأسعار ومفاجآتها، كما يزداد النظامُ الماليُّ متانةً بما يضمن للمواطن بيئة اقتصادية أكثر أمانًا وصلابة في الحاضر والمستقبل.
2) إصلاح السوق وتحويله من المضاربة إلى الإنتاجية
المستأجر سيرى فرقًا حقيقيًا من خلال صيانة أفضل وخدمات أوضح وعقود موثقة تحفظ الحقوق، فالمال يُوجَّه نحو تحسين جودة الأصول بدلًا من زيادات عشوائية تثقل كاهله، وفي الوقت ذاته تتيح البيانات الدقيقة للإيجارات تسعيرًا أكثر عدلًا وتمكّن الجهات المسؤولة من اتخاذ قرارات تخدم الأحياء، لتتحول تجربة الإيجار إلى منظومة أكثر شفافية وعدالة للمواطن.
3) إنتاجية الأعمال وجودة الحياة
عندما تنخفض تقلبات الإيجارات التجارية تُتاح للمحال والشركات سيولة أكبر تُوجَّه نحو الابتكار والتوظيف بدلًا من سد فجوات الإيجار، فيستفيد المواطن بفرص عمل جديدة وخدمات ومنشآت تجارية أقوى، ومع تجميد الزيادات تتحول المنافسة إلى الجودة من خلال الأمن والمساحات الخضراء والصيانة الأفضل، الأمر الذي يعزز استقرار الأسر في مساكنها ويوفر للأبناء بيئة تعليمية أكثر ثباتًا ويقوي روابط الجيران بروابط اجتماعية أمتن.
4) تخطيط عمراني ذكي يربط السكن بالحركة والأرض
السياسة الجديدة تعني أن المواطن سيجد خيارات سكن ميسورة أقرب إلى المترو والخدمات، بدلًا من التشتت أو الاضطرار إلى تغيير السكن.
ومن أبرز هذه الحلول التوسّع العمودي عبر بناء الأدوار والشقق متعددة الطوابق، لأنه يزيد المعروض السكني في نفس المساحة من الأرض ويقرّب السكن من الخدمات الأساسية كالمترو وغيره. كما أن مشاريع البناء للإيجار بعقود أطول وجودة أفضل ستمنح العائلات استقرارًا أكبر. وإلى جانب ذلك، يفتح استقرار الإيجارات المجال لتطوير الضواحي والمراكز الثانوية بما يخفّف الضغط عن قلب المدينة، فيجعل التنقل أسهل والحياة اليومية أكثر هدوءًا وتنظيمًا.
5) سياسات اجتماعية موجّهة واستدامة شاملة
البيانات الموثقة تجعل الدعم يصل مباشرة إلى مستحقيه بواسطة مساعدات إيجارية أكثر عدالة، مما يرفع الأثر الإيجابي على الأسر محدودة الدخل، حيث ينسجم القرار مع أهداف الاستدامة العالمية ليمنح المواطن بيئة حضرية أوفر خدمات وأعدل توزيعًا وأكثر استدامة للأجيال القادمة.
هذا القرار التاريخي ليس مكسبًا للمواطن فحسب، بل هو اختبار حقيقي للمُلّاك وتجار العقار الذين اعتادوا اللهث خلف زيادات الإيجارات، فإما أن يواكبوا هذا التوجه الحكيم بخطوات عملية تعكس جديتهم في تطبيق القرار، عبر تحسين جودة الأصول، وتثبيت العقود، وتقديم خدمات أفضل، وإما أن يبقوا أسرى عقلية المضاربة التي لم تعد تجد لها مكانًا في سوق منظم يسير برؤية 2030 نحو العدالة والاستدامة.
إنها لحظة فارقة تضع التاجر أمام مسؤوليته الوطنية، وتمنحه في الوقت نفسه فرصة لإثبات أن العقار ليس وسيلة للضغط على الناس، إنما أداة لبناء الاستقرار وصناعة المستقبل.