د. محمد بن أحمد غروي
مع إعلان رئيس الوزراء السنغافوري لورانس وونغ، العمل على تعزيز قدرة بلاده على إعادة التأهيل مع تزايد التطرف الذاتي محليًا، تعمل سنغافورة على مجموعة من العمليات تشمل الإرشاد والتعافي السيبراني إلى برامج تسهم في تحسين المهارات الاجتماعية صُمِمت خصيصًا للشباب المتطرفين ذاتيًا.
مؤخرًا أوقفت الحكومة شابين بموجب قانون الأمن الداخلي، نظرًا إلى معتقدهما المتطرف والداعم لجماعات مسلحة، وكان أحدهما يطمح إلى حمل السلاح في دول الصراع. وقد أيّد طفل لم يتجاوز 14 سنة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهي أول حالة تطرف ذاتي في سنغافورة تمخضت عن مزيج من أيديولوجيات متطرفة مختلفة، والتي يتم التعامل معها بموجب قانون الأمن الداخلي.
منذ ديسمبر 2020، جرى التعامل مع أربعة شبان بموجب قانون الأمن الداخلي في سنغافورة (ISA) لانضمامهم إلى أيديولوجيات يمينية متطرفة روَّج لها عبر الإنترنت إرهابيون مثل برينتون تارانت، الذي قتل 51 مسلمًا في إطلاق نار جماعي في كرايستشيرش، نيوزيلندا، في 15 مارس 2019 .
في الواقع هناك مخاوف متزايدة في الآونة الأخيرة من الأنشطة العنيفة والأفراد أصحاب الفكر المتطرف في منطقة جنوب شرق آسيا، خاصة في خضم التغيُّرات العالمية والإقليمية الجديدة التي تُلقي بظلالها على أنشطة وتوجهات الكثير من المواطنين في المنطقة. وتشير تقارير ودراسات آسيوية إلى أن الصراع في الشرق الأوسط امتد تأثيره في نفوس الكثير من الشباب وسبب شعورًا قويًا بالتماهي مع مظالم بعيدة، ما يجعلهم عُرضة للفكر المتطرف والميل إلى العنف، إذ تؤدي مثل هذه الحروب إلى تبني سرديات مُبسطة تُؤطر الهوية الدينية حول الظلم والغضب والضحية، غالبًا ما تكون منفصلة عن القيم الإسلامية الأوسع المتمثلة في الرحمة وضبط النفس الأخلاقي. كما أبرزت إدارة الأمن الداخلي في سنغافورة (ISD) من خلال تقرير تقييم تهديدات الإرهاب في سنغافورة لعام 2024 أن العديد من الحالات الأخيرة تتعلق بمراهقين تطرفوا رقميًا، دون أي تأثير خارجي أو اتصال جسدي. ومن المتوقع أن تتميز التهديدات المستقبلية بالمزيد من اللا مركزية الأيديولوجية، حيث لم يعد التطرف مرتبطًا بالجماعات المنظمة، بل ينشأ من محتوى مُعدّ ذاتيًا وهجينات أيديولوجية.
عانت دول آسيان كغيرها من ويلات التطرف فالإحصاءات العالمية أكدت خطورة التطرف والإرهاب على عدد من دول المنطقة، فوفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي، صُنِّفت إندونيسيا ضمن أكثر 30 دولة تضررًا بالإرهاب في 10 من السنوات الـ 14 الماضية، بينما صُنِّفت الفلبين باستمرار ضمن أكثر 15 دولة تضررًا بالإرهاب في 11 من السنوات الـ 14 الماضية.
تشير بعض التقارير إلى إمكانية عودة الأنشطة المتطرفة مجددًا إلى المنطقة، فعلى مدار عام 2024 في إندونيسيا حجبت الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب ووزارة الاتصالات والشؤون الرقمية ما يقرب من 181 ألف محتوى يتضمن «التعصب والراديكالية والتطرف والإرهاب». وفي نهاية شهر يونيو ألقت الشرطة الماليزية القبض على 36 شخصًا أجنبيًا استخدموا منصات التواصل الاجتماعي في نشر الدعاية المتطرفة وتجنيد أعضاء جدد لتنظيم «داعش»، وحذَّرت وزارة الداخلية من أن البلاد قد تواجه خطر التحول إلى مركز عبور لوجستي للإرهابيين الأجانب، إذ تتخوف السلطات من تسرّب الفكر المتطرف إلى المجتمعات المهاجرة داخل ماليزيا، وانتشار الأنشطة السرية التي تقوِّض الأمن القومي، وتمتد هذه المخاوف لتشمل التخوف من التطرف والإرهاب بين المواطنين أيضًا.
كما ذكر تحليل صادر عن شبكة مكافحة الإرهاب في الشمال الأوروبي أن عددًا من الجماعات الإسلامية المتطرفة المتمركزة في أوروبا تخطط لنقل أنشطتها إلى جنوب شرق آسيا ويرجع السبب لانجذاب المتطرفين الأجانب إلى ماليزيا نظرًا للانتشار الواسع للأيديولوجيات الراديكالية، كما أن بعضًا من السياسات الحالية في المنطقة غير فعَّالة في مواجهة التطرف، إذ إنها لا تعالج أعراضه ولا جذوره، بحسب ما تذكر جهات مطلعة. كما حذَّر محلِّلون من أن تنظيم داعش يوسِّع نفوذه تدريجيًا في منطقة جنوب شرق آسيا، إذ كانت محاولة اغتيال بابا الفاتيكان العام الماضي في جاكرتا، والتي قيل إن لها صلة بعناصر من التنظيم، نذيرًا بخطورة عودة هذا التنظيم إضافة إلى اكتشاف منصة إعلامية تابعة لداعش تعمل عبر شبكة الإنترنت المظلم تنطلق من الأرخبيل.
يشكِّل التطرف مشكلة كبرى لدول آسيان، يمكنها أن تهدد سلامة مجتمعاتها متعددة الأعراق، وتخلق اضطرابات من شأنها أن تؤثِّر على النمو الاقتصادي الذي تسعى هذه الدول لتحقيقه، ومن ثم تراجعها اقتصاديًا واستثماريًا. كما أن الحوادث الإرهابية الدموية التي تعرضت لها بعض دول المنطقة على مر العقدين الماضيين، تجعل دول المنطقة تتعامل بجدية وحسم مع الخطاب المتطرف ومن يروِّج له.
الحوادث الدموية والخطر المحدق بالمنطقة والناجمة عن الأنشطة الإرهابية والجماعات المتطرفة دفعت دول آسيان لاتخاذ موقف موحَّد من التطرف والإرهاب. ففي ختام قمة سابقة لآسيان، اعتمدت الرابطة «إعلان مانيلا لمكافحة تصاعد التطرف العنيف»، الذي أكد على ضرورة برامج إعادة التأهيل ومكافحة التطرف. ويدعو الإعلان إلى «استخدام القوة أو التدابير العقابية، لضمان استعداد الأفراد المتطرفين أو المتطرفين للاندماج مجددًا في المجتمع، ومنع «الانتكاس» أو عودتهم إلى الأنشطة المسلحة والإرهابية»، بالإضافة إلى تلبية الاحتياجات الواردة في إعلانات سابقة مماثلة، مثل تبادل المعلومات والمشاركة المجتمعية، ويدعو إعلان مانيلا إلى «تربية السلام»، وخاصةً للشباب، لتعليمهم «الحل السلمي للنزاعات، بالإضافة إلى القيم الاجتماعية والأخلاقية كجزء من جهود التوعية والوقاية من التطرف العنيف».
التطرف لا يعرف دينًا ولا مذهبًا ولا بد من تعاون دولي وتنسيق مشترك يحد من التطرف الذاتي للجيل القادم.