رسيني الرسيني
في خطوة تهدف إلى الحد من الارتفاعات غير المبررة التي شهدها السوق العقاري مؤخرًا، جاء التوجيه الكريم بحزمة من الإجراءات التنظيمية لسوق الإيجار في مدينة الرياض، منها إيقاف زيادة الإيجارات السكنية والتجارية لمدة خمس سنوات، أي إيقاف الزيادات المتسارعة التي أرهقت المستأجرين، وخلقت فجوة كبيرة بين العرض والطلب. كما تُعد هذه الإجراءات امتدادًا للإصلاحات السابقة مثل: فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، والتي تهدف إلى تحقيق التوازن في القطاع العقاري. وبالرغم من إيجابية الموضوع، يُطرح تساؤل مهم: هل يُعتبر هذا القرار تقييدًا لحرية السوق ويتعارض مع مبادئ الاقتصاد الحر؟
في الواقع، حرية السوق لا تعني الانفلات من الضوابط، مثلها مثل حرية الأفراد تنتهي عندما تمس حقوق الآخرين. وبالتالي، فإن قرار تثبيت الإيجارات لا يُعد خروجًا عن مبادئ السوق الحر، بل هو استجابة تنظيمية مؤقتة لمعالجة حالة خلل واضح. أما فيما يتعلق بالمستثمرين، فقد يُفهم أن القرار يضعف الحافز على تحسين العقار، ولكن في الواقع، القرار أعطى للمؤجر حق الاعتراض على القيمة في حال خضع العقار لأعمال ترميمات جوهرية وغيرها من حقوق الاعتراض. وبكل الأحوال، القيمة طويلة الأمد للعقار تزداد بتحسينه بغض النظر عن الإيجار الآني، كما أن مدة القرار - خمس سنوات فقط - توفر إطارًا زمنيًا كافيًا لظهور نتائج رسوم الأراضي البيضاء وزيادة المعروض. ومن هنا، يُعد القرار تصحيحًا للمسار، وليس عائقًا أمام الاستثمار أو التطوير.
من الناحية الاقتصادية، يعتبر القرار خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار في السوق العقاري، إذ يضع حدًا لزيادات الإيجارات العشوائية التي كانت تُربك العلاقة بين المالك والمستأجر، وبالتالي يعيد التوازن ويعزز الثقة. إضافة إلى ذلك، يُوفر القرار حماية مباشرة للمستأجرين، حيث يتيح لهم التخطيط المالي والمعيشي بشكل أفضل دون القلق من زيادات مفاجئة، خصوصًا لأصحاب المتاجر المستأجرة. علاوة على ذلك، فإن إلزام توثيق العقود في منصة «إيجار» يعزز الشفافية ويضمن حقوق الأطراف. وعلى المستوى الكلي، يُسهم تثبيت الإيجارات في زيادة القدرة الشرائية للمواطنين، مما يدعم النشاط الاقتصادي العام بتنشيط حركة المبيعات في السوق.
من المتوقع أن تقود هذه الإجراءات إلى تصحيح تدريجي في بنية السوق العقاري في مدينة الرياض النابضة بالحياة والفرص الاستثمارية. كما يتصور أنه خلال السنوات الخمس القادمة، ومع تفعيل رسوم الأراضي البيضاء وزيادة مشروعات الإسكان، سيتوسع المعروض وتتراجع الفجوة بين العرض والطلب، مما سيؤدي إلى تحقيق التوازن المطلوب والأسعار العادلة للتاجر والمستهلك. هذا سيشجع على تنوع المنتجات العقارية وابتكار حلول إسكانية أكثر جودة. كما أن استقرار السوق سيجعل البيئة أكثر جذبًا للاستثمارات طويلة الأمد، مما يهيئ الأرضية لنمو صحي ومستدام في القطاع العقاري بشكل يعكس القيمة الحقيقة للمنتجات العقارية.
حسنًا، ثم ماذا؟
لا شيء أجمل من سماع أحاديث المجالس الإيجابية التي تُعبر عن طمأنينة واستقرار، نتيجةً للقرار الذي منع وجود المفاجآت المزعجة.