د. سامي بن عبدالله الدبيخي
في إطار التواصل المبكر مع السوق (Early Market Engagement) ومع شركاء النجاح، أقامت الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة لقاء ويبينار تفاعلي مع مجموعة من المطورين والمستثمرين لطرح ومناقشة الآفاق الاستثمارية والفرص الواعدة لتطوير وتنفيذ المترو. ففي هذه العاصمة المقدسة حيث يلتقي الروحاني بالعالمي، تكمن فرص استثمارية هائلة تتجاوز الحدود الجغرافية لمنطقتها. فمشروع مترو مكة ليس مجرد خطوط نقل، بل مشروع لبناء مجتمعات حيوية ومتكاملة حولها ورافدًا حيويًا لتحقيق الرؤية الوطنية 2030، ومحركًا قويًا لجذب الاستثمارات الاستراتيجية. يمثل هذا الويبينار دعوة مفتوحة للمطورين والمستثمرين ليكونوا شركاء في بناء مدينة تتسم بالكفاءة والاستدامة، مع عوائد مالية مضمونة وفرص نمو واعدة وغير محدودة.
تستقبل مكة المكرمة حوالي 40 مليون حاج ومعتمر سنويًا، بالإضافة إلى ملايين السكان والزوار من مختلف مناطق المملكة والعالم. ومع توقعات النمو السريع بنسب قوية على مدار الـ25 عامًا القادمة، خاصة خلال مواسم الحج ورمضان، أصبحت الحاجة إلى شبكة نقل عامة متكاملة أمرًا ملحًا. إن النجاح الباهر للخط الحالي لمترو المشاعر الذي يستوعب أكثر من 2.1 مليون حاج خلال 7 أيام عمل فقط في السنة، يبرز الحاجة إلى توسعة جذرية لاغتنام الفرص الواعدة الكامنة في مشروع خطوط المترو.
يأتي مشروع مترو مكة ليغطي هذه الفجوة من خلال تنفيذ خطوط المترو لتربط المدينة بمختلف مناطقها في شبكة واحدة متكاملة.
هذا المشروع لن يقتصر على التعامل مع الذروات الدينية العالية، بل سيقدم خدمة يومية موثوقة في الأوقات العادية، مع التركيز على إدارة الحشود والأمن الفريد للحجاج. كما يتوافق تمامًا مع التوجه الاستراتيجي لتخطيط مكة، الذي يعتمد مبدأ «المحاور والمراكز الفرعية «(Corridors الجزيرة Sub-centers)، مع الحفاظ على المركزية القوية لمنطقة الحرم الشريف.
هذا المبدأ لا يجذب المطورين فحسب، بل يفتح أبوابًا واسعة أمام المستثمرين، حيث يعزز الوصولية إلى الاستخدامات الاقتصادية والخدمية الموزعة على المحاور، خاصة مع استراتيجية التطوير الموجه للنقلTOD الذي يهدف لإنشاء مجتمعات مدمجة، متعددة الاستخدامات وتنمية بكثافات بنائية عالية فيزيد من القيمة المضافة للأراضي والعقارات وعوائد أعلى للاستثمارات. كما أنه يشكل آلية لتوليد الإيرادات من خلال آليات مثل «اقتناص القيمة العقارية Land Value Capture» والشراكات في التطوير، مما يعزز من الاستدامة المالية للمشروع بأكمله. يُعد مترو مكة فرصة استثمارية استثنائية لأنه يحول التحديات إلى فرص. فالتضاريس الجبلية المحيطة بمكة، مع ارتفاع الكثافة السكنية والمركزية القوية، تجعل المشروع مجديًا اقتصاديًا، كما أثبتت تجارب مدن مشابهة مثل زيوريخ في سويسرا، حيث نجح المترو في تعزيز الوصولية وجذب الاستثمارات. كما سيزيد المترو في مكة من «نطاق التغطية» (Catchment Area) للأنشطة الاقتصادية، مما يوسع قاعدة الزبائن من الحجاج والمعتمرين والسكان، ويدعم الحافلات التي أثبتت محدوديتها في مواجهة الازدحام. كما يدعم المشروع مشاريع الإسكان الضخمة مثل «رؤى الحرم»، «روشن»، «سيفن»، حيث يوفر نقلًا فعالًا لملايين السكان الجدد.
هذا يعني زيادة في قيمة العقارات المجاورة للمحطات، وفرصًا في التطوير المختلط (سكني-تجاري-خدمي). على سبيل المثال، في مترو الرياض، أدى التوسع إلى تضاعف الاستثمارات في المناطق المحيطة، مع عوائد تصل إلى 15-20 % سنويًا في بعض المشاريع.
أما في مكة، فإن توزيع الحجاج والمعتمرين على المدينة بأكملها سيخفف الضغط على المناطق المركزية ويقلل من ارتفاع الإيجارات وينعش الاقتصاد في كل المحاور والمراكز الفرعية. هذا التوزيع سيخلق توازنًا اقتصاديًا ويفتح أبوابًا لاستثمارات جديدة في السياحة الدينية والتجارة والخدمات مع مساهمة متوقعة في الناتج المحلي تصل إلى عشرات المليارات من الريالات.
أما بخصوص الجدوى المالية فإن المشروع قد يعتمد على نموذج تمويل مشترك يجمع بين الشراكات العامة والخاصة PPP والتطوير العمراني الموجه TOD مع التركيز على تقليل المخاطر من خلال تقاسم المسؤوليات. كما أن التركيز على الاستدامة وكفاءة إدارة الحشود والأمن يجعل المشروع جذابًا للمستثمرين الدوليين الراغبين في مشاريع ذات تأثير اجتماعي عالٍ.
إن مترو مكة ليس مجرد مشروع نقل، بل ركيزة للاقتصاد الدائري في العاصمة المقدسة، يحقق التوازن بين الروحانية والحداثة، ويفتح آفاقًا استثمارية لا حدود لها. فبالإضافة لدعمه تحقيق رؤية 2030 فإنه يعد بعوائد مالية مستدامة.