محمد المقهوي
منذ فجر التاريخ حتى نصر الله والفتح، شهدت البشرية عصورًا دمويةً عديدةً اتسمت بالعبودية، وسفك الدماء، والحروب غير المبررة، وتسلط القادة على رقاب الرعية، إلى أن جاء نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، الذي برسالته السماوية ومنهج التسامح، قام السلام بعز الإسلام، وتم من خلاله نشر العلم والثقافة، وقامت الحضارة الإسلامية وتمددت لتصل إلى مغارب الأرض ومشارقها، وبها كنا أمةً من أرقى الأمم وأكثرها تطورًا.
ويشهد على ذلك أبو الأسود الدؤلي، وجابر بن حيان، والخوارزمي، وابن سينا، والرازي، وابن النفيس، وغيرهم، ممن تملأ مؤلفاتهم مكتبات كبرى الجامعات في العالم، والتي كانت أساس أغلب العلوم التي نستخدمها اليوم.
وإن صح التعبير، فإننا نستوردها من علماء الغرب، حيث إنهم طبقوها أفضل تطبيق، وقاموا بتطويرها، ومن خلالها أصبحنا نملك عالمًا حديثًا متطورًا، وأساس تطوره هو نظريات علمية وضعها علماء الدولة الإسلامية في بداية نهضتها.
ومن زاوية أخرى، استمرت الحروب والمذابح في دول الغرب حتى وقت قريب من يومنا هذا. فمن جهة كانت هناك دول استعمارية تسعى للتمدد، وتقمع وتنكل بكل من يقاومها مثل بريطانيا وفرنسا وغيرهما، ومن جهة أخرى كانت هناك هيمنة الكنيسة، التي كانت في بعض الدول تفرض قوانين لصالح هيمنتها على الدولة، وتقوم بإعدام العلماء والفنانين. وكانت كل منطقة تهيمن عليها كنيسة مختلفة، وأتباع كل كنيسة في حرب دائمة مع الكنيسة الأخرى، وذلك كما كان يحدث في أمريكا وبعض دول أوروبا. ولا ننسى الحروب الصليبية التي استمرت عشرات السنين. وكل تلك الحقب لم تنته إلا عندما توصلوا إلى قناعة تامة بأن بقائهم في هذه الحروب والخلافات لن ينفعهم في شيء، وطالما لا أحد يسعى للسلام، فإن السلام لن يحل. وعليه قامت المنظمات التي تدعو للسلام، وتطوع النشطاء في نشر الخطابات الجامعة، ودأبت الجهات الفاعلة في تسليط الضوء على الصفات المشتركة، ونبذ الصفات المفرقة. ومن خلال عمل دؤوب وجهد متواصل، أصبح هناك جيل جديد بعيد كل البعد عن خلافات الأجداد، ومعافًى إلى حد كبير من الفتن والعنصرية والتمييز والتحيز.
وبهذا الجيل الجديد بدأ لديهم عصر النهضة العلمية التي مهدت الطريق للثورة الصناعية، وافتتحوا عالم الاقتصاد والتجارة، ومن خلالها أصبح لديهم نفوذ في مشارق الأرض ومغاربها. وبهذا النفوذ وهذه الأموال تفننوا في خلق كل ما يشق صف المسلمين، لتطبيق النموذج المتسبب في إعاقة تطورهم. وبهذا استثمروا في كل ما يصب في مصلحة مشروعهم، وهو بقاء أمتنا في الجهل لصالح تطورهم وبقائهم في القمة.
وعليه نرى اليوم المسلمين، كل على حسب طائفته، يدفع الأموال لصالح الدفاع عن جماعته والتهجم على أتباع الجماعة الأخرى، حيث اليوم هناك العشرات من القنوات الفضائية، والمئات من قنوات وحسابات التواصل الاجتماعي، كل همها تسقيط الجماعات الأخرى، والانتصار لجماعتها، وكل ذلك على حساب ومصلحة الأمة الإسلامية.
إن الإسلام أخرجنا من ظلام الجاهلية إلى نور المعرفة، وأول حروبه كانت ضد حمية الجاهلية التي كانت عقبةً في نهضتنا كأمة. وبالإسلام عرفنا أن لا فرق بين عربي وأعجمي، وبالإسلام عرفنا أن الناس إما نظراء لنا في الخلق، أو إخوان لنا في الدين.
يجب أن نعود إلى عزتنا بترك الخلافات خلفنا، والنظر إلى ما يجمعنا لا ما يفرقنا. وطالما هناك من يدفع الأموال ويستثمر في جهلنا، فعلينا أن نفشل تجارته ونستثمر في تطوير أمتنا، ونعيد أمجادنا بوحدتنا وتكاتفنا.