صالح الشادي
في خضم الدبلوماسية الدولية، تبرز خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة كأحد أكثر المبادرات جدلاً.
الخطة التي تقدم نفسها كحل شامل، تتراوح بين البنود الإنسانية العاجلة والرؤى طويلة المدى، لكنها تثير تساؤلات مصيرية حول مدى واقعيتها وقدرتها على تحقيق السلام المنشود.
تبدأ الخطة بقوة على الجانب الإنساني، حيث تقدم آلية واضحة لوقف إطلاق النار الفوري، وإطلاق سراح الرهائن والمعتقلين، وفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية. هذه العناصر تمثل استجابة للمأساة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة، وتستجيب للضغوط الدولية المتصاعدة لإنهاء المعاناة الإنسانية.
لكن الخطة تنتقل بعد ذلك إلى فرض شروط أمنية صارمة، تشمل نزع سلاح الفصائل بالكامل، وتدمير البنية التحتية العسكرية، مع وجود قوة دولية للإشراف على هذه العملية.
هذا المحور يلامس أحد أعقد إشكاليات الصراع، حيث يتعارض مع واقع القوى على الأرض ومع تصورات العديد من الفصائل الفلسطينية لدور المقاومة.
على الصعيد السياسي، تقدم الخطة نموذجاً إدارياً فريداً يقوم على حكم تكنوقراطي تحت إشراف مجلس سلام دولي، مع خطة اقتصادية طموحة لإعادة الإعمار. هذا الطرح يحاول معالجة إشكاليات الحكم والتنمية، لكنه يثير تساؤلات حول مدى قبوله فلسطينياً، وعلاقته بالتمثيل الفلسطيني الشرعي.
المعوقات التي تواجه الخطة تبدو جسيمة، بدءاً من الرفض الفلسطيني المبدئي لها، ومروراً بعدم واقعية بعض بنودها الأمنية في ظل البيئة الحالية، ووصولاً إلى التحديات السياسية المتعلقة بغياب المسار السياسي الواضح نحو الدولة الفلسطينية. كما أن توقيت طرح الخطة وطبيعة الأطراف المعنية يضيفان طبقات إضافية من التعقيد.
الخطر الحقيقي الذي تواجهه هذه الخطة - ورغم ما تحمله من عناصر إيجابية على المستوى الإنساني - هو تحويلها من نافذة أمل نحو السلام، إلى مجرد وسيلة لإدارة الصراع بدلاً من حله. فبدون معالجة جذرية للقضايا السياسية الأساسية، وبدون توافق فلسطيني داخلي، وبدون إرادة حقيقية لجميع الأطراف، قد تتحول الخطة إلى فصل جديد من فصول المعاناة.
في النهاية، يبقى نجاح أي خطة للسلام رهناً بقدرتها على تحقيق التوازن العادل بين الحقوق الفلسطينية المشروعة والمخاوف الأمنية الإسرائيلية، وفي إطار حل سياسي شامل يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
هذا هو الاختبار الحقيقي لأي مبادرة سلام، وهذا هو المقياس الذي ستُقاس به جدوى هذه الخطة ومصيرها النهائي.