علي محمد إبراهيم الربدي
رحم الله من علم الناس وأفتى لهم معالي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الذي فجع المجتمع السعودي والعالم الإسلامي عندما أعلن الديوان الملكي: وفاة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء. وسيصلى على الفقيد في جامع الإمام تركي بن عبدالله في مدينة الرياض بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء 1-4-1447هـ.
رحم الله مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ الذي ودع الدنيا إلى رحمة الله يوم الثلاثاء 1-4-1447هـ الموافق 23-9-2025م، وهو اليوم الموافق لليوم الوطني الخامس والتسعين بعد عمر زاد على ثمانين عاما قضى معظمها في خدمة الدين والمليك والوطن.
ولد الشيخ عبدالعزيز بمكة المكرمة عام 1358هـ قد تزيد أو تنقص سنه أو سنتين فأثناء ولادته لم يكن هناك تسجيل رسمي للمواليد ولم تكن الولادة تتم بالمستشفيات كما هو اليوم، بل كانت تتم بالبيوت والمنازل ويقوم بعملية الولادة نساء وطنيات اكتسبن المهنة عن طريق الوراثة والتدريب المنزلي ولم يكن هناك أطباء أو طبيبات متخصصات في الولادة فالمملكة ما زالت مع بداية توحيدها الذي تم عام 1351هـ.
والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد بن عبداللطيف عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب من أحفاد مجدد الدعوة السلفية الشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي تحالف مع الإمام محمد بن سعود أمير إمارة الدرعية في ذلك الوقت عام 1157 والذي عرف باتفاق الدرعية لتصحيح العقيدة الإسلامية التي شابها خزعبلات وخرافات أدت إلى نوعيات من الشركيات عند الكثير من الناس وهو الميثاق الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى التي أسسها الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن آل سعود وظل شعارا لها حتى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
والمفتي الشيخ عبدالعزيز أبو عبدالله الذي فقد والده وعمره لم يتجاوز ثماني سنوات قامت بتربيته والدته العبدة الصالحة النقية التقية سارة بنت إبراهيم الجهيمي القباني السهلي التي ترجع بأصلها إلى قبيلة السهول القاطنين بالدرعية.
وكانت والدته -رحمها الله- والمتوفاة عام 1436هـ حريصة كل الحرص على تربية طفلها (الشيخ) عبدالعزيز وتعليمه والذي واجه بعض المشكلات في حياته كوفاة والده وهو صغير وفقدان بصره في شبابه ولكن الله عوضه بوالدته التي كانت تذهب به إلى علماء زمانه وتلزمه بطلب العلم عليهم في الكتاتيب وبحضور حلقات الذكر بالمساجد حتى تعلق قلبه بالمساجد وبطلب العلم.
ومن هنا بدأ الشيخ -رحمه الله- تعليمه بالكتاتيب عند المطاوعة كغيره من أبناء زمانه ومن الذين تعلم ودرس عليهم المطوع محمد بن سنان درس عليه اللغة العربية والحساب وحفظ عليه القرآن الكريم ولم يتجاوز عمره الحادية عشرة. وطلب العلوم الشرعية على يد مجموعة من المشايخ والعلماء الذين أدركهم في طفولته وشبابه بالمساجد وحلقات الذكر ومنهم العلامة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ درس عليه كتاب التوحيد والأصول الثلاثة والأربعين النووية ودرس على الشيخ عبدالعزيز بن باز المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء السابق علم الفرائض وعلى الشيخ عبدالعزيز بن صالح المرشد النحو والتوحيد، وعلى الشيخ عبدالعزيز الشَّثْري كتاب عمدة الأحكام وزاد المستقنع.
وقد أهّلته هذه الدراسة والمعلومات التي اكتسبها للالتحاق بمعهد إمام الدعوة بالرياض عام 1374هـ وتخرج من المعهد عام 1379هـ بعد أن درس فيه خمس سنوات ثم واصل تعليمه بكلية الشريعة بالرياض وحصل منها على درجة الليسانس في علوم الشريعة عام 1384هـ وكان ذلك قبل أن تكون فرعا من فروع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والتي فتحت كجامعه متكاملة في عهد الملك خالد عام 1395هـ.
تخرج الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ من كلية الشريعة عام 1384هـ وعمل معلما بالمعهد الذي درس فيه معهد إمام الدعوة ثم انتقل إلى كلية الشريعة وعين فيها أستاذا مساعدا ومن ثم أستاذا مشاركا، وكلف بالإشراف على بعض رسائل الطلاب في الماجستير والدكتوراه وفي عام 1406هـ وأثناء حكم الملك فهد بن عبدالعزيز عُيّن عضواً في هيئة كبار العلماء ومن ثم عضواً باللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ثم نائباً للمفتي العام للمملكة العربية السعودية وظلّ يتقلب في وظائف الدولة حتى صدر توجيه ملكي كريم عن الملك فهد بن عبدالعزيز عام 1419هـ يقضى بتعيين الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتيا للمملكة العربية السعودية بعد وفاة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن باز وبهذا يكون الشيخ عبدالعزيز المفتي الثالث للمملكة العربية السعودية وأولهم الشيخ محمد بن إبراهيم ثم الشيخ عبدالعزيز بن باز ومن بعده الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ وظل يشغل هذا المنصب حتى تاريخ وفاته يوم الثلاثاء 1-4-1447هـ الموافق 23-9-2025م، رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح جناته.
والمرحوم الشيخ عبدالعزيز أبو عبدالله نحسبه والله حسيبه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله والذين ورد ذكرهم في حديث الرسول عليه الصلاة السلام ومنهم (رجل معلق قلبه في المساجد) فمن صغره كان يجمع أصدقاءه ويعلو منبر جامع الإمام تركي بن عبدالله ويخطب فيهم وهذا ما جعل عمه يشكى الابن لوالدته فردت عليه بقولها: أسأل الله أن يطيل عمرك لتصلي خلفه وهذا ما حدث فعلا فقد عين إماما لجامع الإمام تركي وصلى خلفه عمه وظل يؤم المصلين ويقضي الكثير من الوقت بالجامع يعلم الناس ويفتيهم حتى أعجزه المرض في أيامه الأخيرة.
لقد رشح الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أبو عبدالله ليكون الخطيب السعودي السادس والإمام بمسجد نمرة من قبل ملوك الدولة السعودية وظل يخطب ويصلي بالحجاج بمسجد نمرة يوم عرفة لأكثر من خمسة وعشرين عاما بدأها من عام 1412هـ وطلب الإعفاء بعد ثلاث وعشرين سنة قضاها خطيبا وإماما في مسجد نمرة حين أعجزه الكبر.
تقلد أبو عبدالله فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ الإمام والخطيب السعودي السادس لمسجد نمرة في حياته مناصب كثيرة أولها معلم بمعهد إمام الدعوة بمدينة الرياض المعهد الذي درس فيه وتخرج منه، ثم انتقل إلى كلية الشريعة وشغل فيها مناصب أكاديمية عديدة، منها أستاذ مساعد وأستاذ مشارك، كما أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه. ومن الأعمال التي كلف بها أثناء عمله بالجامعة تعيينه إماما لجامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض، إضافة لتكليفه خطيبا وإماما لمسجد نمرة بعرفة يصلي بالحجاج ويخطب فيهم يوم عرفة.
ومن الأعمال والمناصب التي شغلها نائب للمفتي العام الشيخ عبدالعزيز بن باز وبعد وفاة الشيخ عبدالعزيز بن باز عين الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتيا عاما للمملكة العربية السعودية بموجب أمر ملكي صدر عام 1414هـ عن الملك فهد -رحمه الله- وظل يشغل هذا المنصب حتى تاريخ وفاته في يوم الثلاثاء 1-4-1447هـ.
كما ترأس هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء التي أنشئت بموجب مرسوم ملكي صدر عن الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- عام 1369هـ..
عاش الشيخ عبدالعزيز في حياته حافظا لدينه قائما بعمله بكل أمانة وإخلاص نحسبه والله حسيبه من الذين قال الله عنهم: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}.
عاش -رحمه الله- معززا مكرما من قبل ملوك وأمراء الدولة السعودية وكانوا ينظرون إليه بكل احترام وتقدير على أنه واحد من العلماء الذين رفع الله شأنهم والذين قال الله عنهم: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) ومن باب تعظيم العلماء حتى بعد وفاة الشيخ فقد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بصلاة الغائب على الشيخ عبدالعزيز بالمسجد الحرام والمسجد النبوي وجميع مساجد المملكة وتمت الصلاة عليه في جامع الإمام تركي بن عبدالله وصلى عليه جمع غفير من الأمراء والعلماء والمواطنين والمقيمين يتقدمهم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ودفن بمقبرة العود عليه رحمه الله.
نسأل الله أن يتغمد معالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته وأن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة إنه سميع مجيب.
وعزاؤنا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وإلى ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولابنه الدكتور عبدالله وأخوانه وأخواته الكرام خاصة ولأسرة آل الشيخ ولجميع المسلمين والمسلمات عامة.
والصلاة والسلام على النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام إنه سميع مجيب.
** **
القصيم - بريدة