د. إبراهيم بن جلال فضلون
«نحن نعيش على ثروة أعظم من النفط، هي الثقة.. فإذا زرعنا الثقة جنى الوطن استثماراً وتنمية».
-الملك سلمان بن عبدالعزيز-
قالها وصدق، فبخطوات واثقة، تواصل المملكة كتابة فصل جديد في قصة الاقتصاد العالمي، التي نجحت فيها بجدارة الثقة الوطنية، ورؤيتها الحالمة منذ 2016م، كان نتاجها التحول الوطني وما تحقق خلال عام 2024 من معدلات استثمارية محلية وأجنبية تجاوزت جميع المستهدفات للعام الرابع على التوالي، لتسجل ما يفوق 1.4 تريليون ريال، في إنجاز يعكس قوة الرؤية وعمق الإصلاحات الاقتصادية التي تقودها المملكة ضمن إطار رؤية 2030.. ولا أدل على القول، إلا كلمة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء: «الاقتصاد المتنوع هو الأداة الأقوى لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار للأجيال القادمة».
فمحلياً: حقق الاستثمار المحلي قفزة تاريخية بأكثر من 1.3 تريليون ريال، متجاوزاً المستهدف بنسبة 38 %، وهو نجاح يقوده القطاع الخاص غير النفطي الذي مثّل أكثر من ثلاثة أرباع الاستثمارات المحلية، حيثُ لم يعُد تنويع الاقتصاد شعاراً، بل واقعاً ملموساً. أما على صعيد الاستثمار الأجنبي المباشر، سجلت المملكة تدفقات قياسية قاربت 119 مليار ريال، متجاوزة المستهدف السنوي بنسبة 39 %، وهو رقم يضع السعودية في صدارة الاقتصادات الأكثر جذباً للاستثمار، مُتفوقة على التباطؤ العالمي الذي شهد تراجعاً بنحو 10 %، ولم تكن هذه التدفقات مجرد أرقام مالية، بل توزعت على قطاعات حيوية تقود التحول الاقتصادي، أبرزها الصناعة التحويلية، التشييد والبنية التحتية، الخدمات المالية والتأمين، إلى جانب قطاع التجارة والتجزئة، فيما شكّل الاستثمار غير النفطي 90 % من الإجمالي، وهو تحول نوعي يرسخ مكانة المملكة كمركز إقليمي ودولي للأعمال.
الرياض، تلك العاصمة الاقتصادية الجديدة، استحوذت بجغرافيتها على 61 % من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر بقيمة 73.1 مليار ريال، لتصبح القلب النابض لحركة المال والأعمال في المنطقة، بينما حلت المنطقة الشرقية في المرتبة الثانية بنسبة 19 %، تلاها مكة المكرمة بنسبة 11 %.
ولعل ما يميز المرحلة الحالية ليس فقط حجم الاستثمارات، بل نوعيتها واستدامتها، حيثُ تجاوز عدد المقرات الإقليمية للشركات العالمية في السعودية 660 مقراً، مقارنة بالمستهدف لعام 2030 البالغ 500 مقر، وهو ما يؤكد أن المملكة تسير بوتيرة أسرع من التوقعات، بمعدل يتراوح بين 10 و12 ترخيصاً شهرياً لشركات كبرى تختار الرياض قاعدة لأعمالها الإقليمية.
وفي المقابل، استحوذت الاستثمارات العربية بحضور لافت، على ثلث التدفقات الأجنبية، تصدرتها الإمارات بأكثر من 18 مليار ريال، تلتها مصر بنحو 6.5 مليار ريال، فيما سجلت الأردن واليمن والبحرين استثمارات مهمة في نطاق مليارات الريالات.
ليكون الأثر عالمياً، بصعود الولايات المتحدة وألمانيا بقوة، إذ تضاعفت استثماراتهما ثلاث مرات خلال عام واحد، بينما قفزت استثمارات هونغ كونغ عشرة أضعاف لتصل إلى ملياري دولار، في إشارة إلى الثقة العالمية في البيئة الاستثمارية السعودية.
بالفعل سيكون عام 2025 «أفضل بكثير من العام الماضي»، كما قال وزير الاستثمار خالد الفالح، لأن السعودية لا تركز فقط على حجم الاستثمارات، بل على جودتها وقيمتها المضافة، بما يعزز الشراكات النوعية ويدعم سلاسل الإمداد والتقنيات المتقدمة، في وقت تتراجع فيه التدفقات الاستثمارية عالمياً. وهو ما نراه من إصدار تراخيص فتح مقرات إقليمية بمعدل 10-12 شركة شهرياً، مع توقع تجاوز العدد الإجمالي للمقرات الإقليمية الألف خلال السنوات المقبلة.
هذه المؤشرات القوية، تؤكد السعودية أنها في مسار ثابت نحو اقتصادٍ متنوع ومستدام، يفتح أبواب الفرص أمام المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء ويبشِّر بأفق واعد للنمو والازدهار، إذ تضاعفت التدفقات الاستثمارية أكثر من أربع مرات، وقفز عدد الرخص الاستثمارية من نحو خمسة آلاف إلى أكثر من 50 ألف رخصة في 2024.
وختاماً: إنها ليست أرقاماً مجردة، بل شواهد على تحول اقتصادي يقوده الابتكار، الانفتاح، والشراكة العالمية، ويعيد رسم ملامح الاقتصاد السعودي كأحد أهم الاقتصادات الصاعدة على مستوى العالم، بقصة رؤية وجرأة وقدرة على تحويل التحديات إلى فرص، فالسعودية لم تعد وجهة استثمارية فحسب، بل أصبحت بيئة متكاملة لصناعة المستقبل، حيث يتحول رأس المال إلى شريك في التنمية، وحيث تثبت الأرقام أن ثقة المستثمرين لا تعرف الحدود.