هويدا المرشود
الشباب اليوم يقفون عند منعطف لم يشهده جيل من قبل. كل قرار يتحول إلى اختبار حاد يوازن بين الحرية والواجب، وبين الطموح الفردي والمسؤولية الاجتماعية. إنها أزمة مركّبة تهدد هوية الشباب وترسم ملامح مستقبل المجتمعات.
التقنيات الحديثة ضخّمت كل إنجاز وكل لحظة سعادة، حتى صارت المقارنات الخفية مقياسًا يثقل النفوس. وبينما يُفترض أن تكون الأسرة والمجتمع سندًا، نجدهما أحيانًا حائطًا يحد من الحلم، وأحيانًا قاربًا يمد اليد للعبور.
أحمد، في منتصف العشرينات، يعمل ساعات طويلة براتب لا يغطي احتياجاته الأساسية. تضييق الفرص الاقتصادية وتوقعات المجتمع يضاعفان إحساسه بالضغط، ويؤجلان أحلامه الكبرى.
ليلى، خريجة حديثة، ترى زميلاتها يحققن إنجازات سريعة، بينما تُحاصرها التزامات العائلة وتقاليد المجتمع، فتتآكل طموحاتها أمام كل منشور رقمي يزيد شعورها بالعبء.
أما سعيد، الموظف المبتدئ، فيصارع ليحقق استقلالًا ماليًا، لكنه يكتشف أن كل خيار يحمل تكلفة باهظة، وأن الحرية أحيانًا أثقل من القيود.
هذه القصص ليست حالات فردية، بل صورة مكثفة لصرخة جيل كامل يبحث عن موطئ قدم بين أحلام شاهقة وواقع متشابك بالضغوط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
يذكرنا القرآن الكريم بقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (النساء: 29)، دعوة لحماية النفس والهوية، ولإيجاد التوازن بين الطموح والواجب، الحرية والمسؤولية. كما أن الحوار الصريح داخل الأسرة، والتوجيه العملي للقيم، والوعي النقدي بالتقنيات، إلى جانب توفير فرص عادلة للتعليم والعمل والدعم النفسي، هي أدوات تمكّن الشباب من مواجهة هذه المرحلة الدقيقة.
ويقول تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء: 23)، إطار عملي للتوازن بين الأصالة والحداثة، بين الالتزام والطموح، بين الحرية والواجب.
المجتمع الذي ينجح في هذا التوازن يصوغ شبابًا أكثر وعيًا وأسَرًا أكثر تماسُكًا وهوية أقوى. أما الفشل فيتركهم أسرى لضغوط اقتصادية ونفسية، يتأرجحون بين صور مثالية زائفة وواقع قاسٍ.
ويبقى السؤال: هل نستطيع أن نخلق بيئة تمنح الشباب حرية تشكيل هويتهم، دون أن تنهار الأسرة والقيم أمام التغيرات المتسارعة وضغوط الحياة اليومية؟
إن الإجابة تحدد مصير الأجيال، هنا وهناك، اليوم وغدًا.
ذلك أن هذا الجيل، بكل تناقضاته وآماله، يقف فعلًا على الحافة.
وأكتب عنه لا بصفتي متفرجة أو ناقلة، بل كصوتٍ يشاركهم القلق والأمل، ويؤمن أن الكلمة حين تُكتب بصدق قد تصبح خيط نور يبدد شيئًا من عتمة الطريق.