د.محمد بن عبدالرحمن البشر
التطبيق الصيني الشهير ذو المقاطع القصيرة المسمى تيك توك، أخذ حيزاً كبيراً من المساحة الإعلامية للتواصل الاجتماعي، لاسيما لدى الشباب، وربما أنه أحد القنوات الإعلامية التي ساعدت ترامب في الوصول مرة أخرى إلى سدة الحكم، كما يقول، وكان ذلك من خلال استخدام أبنائه ومناصريه.
هذا التطبيق الذي يستخدمه أكثر من مائة وخمسين مليون فرد نشط في الولايات المتحدة الأمريكية التي يبلغ عدد سكانها ثلاثمائة وخمسة وثلاثين مليوناً، أي أن تيك توك يؤثر بطريقة أو بأخرى على أقل بقليل من نصف عدد السكان، أو إن صح القول أغلب سكان الولايات المتحدة إذا استثنينا الأطفال الصغار جداً، وهذه نسبة كبيرة، كما أن الأميركيين الشغوفين بالمرح والفكاهة يضيفون إليه محتوى جذاباً.
وتقع إندونيسيا في المركز الثاني بنحو مائة وثلاثة عشر مستخدما شهرياً، تليها البرازيل باثنين وثمانين، ثم روسيا بخمسة وخمسين ثم المكسيك، أما أوروبا فإن عدد المستخدمين يصل إلى نحو مائتي مليون شهرياً، ليصل إجمالي المستخدمين في العالم إلى نحو مليار وستمائة، وهو رقم كبير.
السؤال المهم: ما هو التأثير الذي قد تصنعه تيك توك في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان، وهل ذلك التأثير موجه عمداً، أم أنها تعطي مساحة أكبر لطرح جميع الأطروحات، غثها وسمينها، ومريبها وبريؤها، ما من شك أن الكثير يتفق على أن فيها الفكاهة والشعر والنثر والأدب والعجب وكل ما يروح عن النفس.
أقول هذا بقول الآخرين، لأني لم أحمل التطبيق، وربما لن أحمله ولم أحمل غيره مثل سناب شات أو إكس، مكتفياً بقراءة الكتب وأخشى من سرقتها لوقتي الذي أراه أثمن من محتواها ومحتوى غيرها، وللناس فيما يعشقون مذاهب.
ترى أوروبا ان تيك توك تؤثر على المراهقين وتسلب وقتهم، وتسبب بعض الاضطرابات النفسية والآثار الجسدية، وان الأحداث قد يستخدمونها في مشاهدة مقاطع غير لائقة وغير مناسبة لأعمارهم، لهذا فهم قلقون حيالها، ولإزالة هذا القلق قرر مسؤولو التطبيق إضافة خاصية تمكن الآباء من حجب بعض المحتوى الذي يرونه غير مناسب، كما أضافوا خاصية إقفاله بعد العاشرة مساءً، ومن المؤكد ان هذا قد هون من الأمر، وسيظل هذا الجدل حول تيك توك قائماً، ربما لأنه وافد جديد من شرق آسيا وليس من الولايات المتحدة، وهو التطبيق الفاعل الوحيد في هذا العالم الذي ليس غربي الولادة والملكية، وان كان عالمي المادة.
الولايات المتحدة وبحرص من رئيسها رفعت الراية الحمراء وأضاءت الإنارة شديدة الحمرة في وجه تيك توك، وفي هذه الحال لم يكن السبب خشية التأثير على المراهقين والأحداث، وإنما كان المبرر ان لها تأثيراً على الأمن من خلال الخوارزميات وجمع المعلومات عن الأفراد وميولهم ورغباتهم وشهواتهم وذهابهم وإيابهم، وأنها أخطر من نار على حطب، وكساد على نشب، ولن يتم الاكتفاء ببناء السدود، وإغلاق المداخل والدروب، بل يجب انتزاعها إما بالشراء أو بالتهديد بسلاح التعريفات الجمركية والتأثير على التجارة البينية، ولم يعد للصين من خيار غير الاختيار بين أمرين أحلاهما مُر.
وأخذ التفاوض مجراه، ويبدو أن الولايات المتحدة قد نالت ما تريد، وستكون شركة أكواريوم وبعض المستثمرين ملاك بتيك توك الأمريكية، مع الخوارزميات المتعلقة بها، وهناك غاية من الشراء أبعد من الخوف من جمع المعلومات من قبل الصين، وهي السيطرة على ما يبث عليها وتوجيهه حسب نظرة الملاك المعروفة مواقفهم فيما يخص القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا، لكي تنضم إلى كوكبة الشركات الإعلامية المؤثرة مثل ميتا وجوجل وما تملكه من تطبيقات لتسير في نفس الاتجاه، لاسيما أن العالم شهد التأثير الكبير للساحة المفتوحة للجميع في تيك توك، وبهذا يخبو صوت مؤثر في الولايات المتحدة لاسيما على الشباب.