د. مسعد بن عيد العطوي
الإيثار: هو شجيرات إنسانية جميلة تنثر بذور التآلف والتفاعل النفسي، والحب الوجداني بين الإنسانية ومصدرها التربية المنزلية وتشرّب القيم السلوكية و تسقيها الروح الإيمانية، وتنميها المبادئ والنية الطيبة والسلوكيات الأخلاقية والمعرفة الإيمانية المتجددة، ويزيد الانفعال والتفاعل معه رضا الله وطلب الأجر، وصلة الأرحام وغرس المودة وإزالة العداوة والتحاسد.
والإيثار سلوك بشري صحب الإنسان فهو ملاصق للأمهات ثم الآباء وهو متوالد من الأخلاق الكريمة، وربما يكون إلهاما من الله وتكريما للطرفين، ولكن ارتفع شأنه وتألق بالأديان السماوية؛ فكلها تحفز للإيثار.
ولنضرب مثلا بما نعرف، ففي الإسلام تجسد بالتآخي بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم فشمل من الأحداث النبيلة حكايات كثيرة وعجيبة، وهو أول إيثار جماعي فكل من المهاجرين تآخى مع أنصاري فأعطوهم دورا ومالا، و لما هاجر عبد الرحمن بن عوف تآخى مع سعد الربيع، فقال له: أعزل لك قسما من بيتي ونصف مالي، وأطلق لك إحد ى زوجاتي، وعنده اثنتان، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك لكن لايكون ذلك، ولكن دلني على السوق، فأخذ بالتجارة فلم يلبث إلا قليلا حتى تزوج وكان من أكثر أهل المدينة أموالا. وغيرهما الكثير، ولما استغرقت في القراءة عن الإيثار رأيت الحكايات الإنسانية التي تفيض منها الدموع.
وحكاية الصحابي الذي استضاف ضيف رسول صلى الله عليه أمر يدعوللعجب ونزلت في هذه الأسرة الآية (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ * وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وغيرها ووردت عن الإيثار أحاديث كثيرة، وهو جزء من أعلى درجات السخاء.
الإيثار في الفلسفة: استنتج الفلاسفة من خلال تأملهم الاجتماعي أنه مبدأ أخلاقي يرتكز على فعل الخير من أجل الآخرين، بغض النظر عن المصالح الشخصية، ويمكن أن يشمل مفهومًا فكريا أوسع مثل «الإيثار الفعال» للعلم والمعرفة والذي يهدف إلى استخدام الأدلة والمنطق لتحقيق أكبر نفع ممكن للآخرين. وينظر المفكرون للإيثار كفضيلة أخلاقية جوهرية في العديد من الثقافات والفلسفات، ويُرى أحيانًا كشكل من أشكال السلوك المتعاون الذي يعزز العلاقات الاجتماعية ويساهم في سعادة ورفاهية الفرد والمجتمع.
مفهوم الإيثار في الفلسفة:
هو فلسفة وحركة اجتماعية تسعى لتحديد الطرق الأكثر فاعلية لإفادة الآخرين، وذلك باستخدام الدليل والمنطق. وأن مفهوم الإيثار خاطئ وأنه يعني الموت والغرض النهائي له، وأن السعي لتحقيق مصلحة الذات ليس شرًا.
القيمة الأخلاقية:
ترتبط القيمة الأخلاقية للفعل الإيثاري بشكل أساسي بتأثيره على الآخرين، وليس على الفاعل. فكأنهم يرونه وسيلة تواصل فردي وأسري و للأقرباء والمجتمعات كذلك، ومن يتأمل وقع الإيثار على نفوس الإنسانية عند الحضارة التي صنعها الحكماء والكتب السماوية و ومجمعها القرآن أنها كذلك، وزاد عليها التواصل النفسي الذي يقوم بنسيج التلاحم البشري تشير الآية إلى من أعظم الإيثار هو إيثار الآخرة على الدنيا وتزكية النفس في الدنيا بالعمل الصالح من أجل الآخرة (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى* بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى* إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)
التناقض مع الأنانية:
يُعارض الإيثار مفهوم الأنانية، والذي يرى أن الأفراد ملزمون بخدمة أنفسهم أولًا، ونحن لما نستقرئ القرآن نجده يحارب التعالي و الكبر .فمن الكثرة أن نجد نماذج للأيثار الذي يجمع بين العلو والمعالي في الدنيا ومثله في الآخر مصور الله بالعلاقة بين يوسف وأخوته فلما أبعدوه ليستأثر بالعلو عند أبيهم الذي يجلب لهم علو الدنيا في نظرهم لكن الله خذلاهم وأعلى شأن يوسف دنيا وآخرة (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91).
قال أبو جعفر الطبري: يقول جل ثناؤه فإخوة يوسف له: تالله لقد فضلك الله علينا، وآثرك بالعلم والحلم والفضل ، ( وإن كنا لخاطئين )، يقول: وما كنا في فعلنا الذي فعلنا بك، في تفريقنا بينك وبين أبيك وأخيك وغير ذلك من صنيعنا الذي صنعنا بك ، إلا خاطئين..
(ويرى المفكرون أن الدوافع المحتملة: قد يكون التعاطف والارتقاء (الشعور بالسعادة عند رؤية الآخرين يتصرفون بفضيلة) من الدوافع التي تشجع على السلوك الإيثاري) والإسلام شرع الصدقة ظاهرة وباطنة خفية، فقال( إن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ * وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتكُمْ * وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وقد علل ذلك الغزالي فرأى إن كانت نية المتصدق أن يكون قدوة ليقتدي الآخرون وليس قصده الرياء فهذا جائز، بل له أجر كبير، والهدف: تشجيع الأفراد على اتخاذ قرارات بناءً على الأدلة لتحديد أفضل الطرق لتحقيق أقصى تأثير إيجابي بناءً على قيمهم. تُطبق فلسفة الإيثار الفعال في قطاعات مختلفة، بما في ذلك القطاع غير الربحي، وإعطاء الأولوية للمشاريع العلمية، والشركات، ومبادرات السياسات التي تهدف إلى إنقاذ الأرواح ومساعدة الناس.
التطور الأخلاقي:
تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الصغار يظهرون اهتمامًا طبيعيًا بالآخرين، مما قد يقوض فكرة أن الإيثار هو مجرد سلوك مكتسب ناتج عن المكافأة والعقاب. ?.المجتمع: يساهم في بناء علاقات اجتماعية قوية وتعزيز الرفاهية العامة للمجتمع. الفرد: وجدت الدراسات أن الأفراد الذين يُظهرون إيثارًا يميلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة وصحة ويعيشون حياة أطول.
ويلتقي الفكر الغربي مع الفوائد التي تدبرها من القرآن :
والإيثار: ينبع من الإيمان كثيرا؛ فالإيثار يثير الانفعال عند موقف يحتاج إلى الإنسانية لذا جعل الله عوضه البركة والراحة النفسية والأجر، ومن فوائده تنامي الألفة الأسرية والصداقة والمجتمع وفي صحبة العمل.