د. ناهد باشطح
فاصلة:
«لا يضيع حق وراءه مطالب.»
- مصطفى كامل -
*****
رغم تكاثر الأسئلة في رأسي عندما حادثتني صديقتي عن قلقها تجاه مطالبتها بحقوقها وتقديمها شكوى ضد رئيستها في العمل
إلا أنني كنت أفهم لماذا نصمت أحيانًا رغم أننا نعلم أن لنا حقًا؟
ولماذا نخجل أو نتكاسل عن المطالبة بحقوقنا؟
لأننا أبناء ثقافة تأسست على الطاعة، الخوف من إغضاب الآخرين، وأصبحنا غالبا نخاف من الرفض أو المواجهة، ولدينا تعلق بصورة «اللطيف المتسامح». ولم نكن ندرك أن الصمت عن المطالبة بالحقوق له آثار سيئة مثل فقدان المال أو الفرص، تعزيز شعور الظلم الداخلي.. وتكريس صورة المجتمع المتسامح مع التجاوزات.
هذا من الناحية النفسية أما من الناحية العملية فقد كان لدينا جهل بالطرق القانونية الإدارية للمطالبة بالحقوق.
لطالما حدثونا عن واجباتنا لكن جيلنا، أعني جيل الستينيات وما بعده، لم يكن محظوظاً بممارسته لحقوقه..
نستطيع أن نلمس الفارق في أي مناقشة بسيطة مع جيل الألفية وما بعده؛ حيث أصبح هناك وعي جمعي وفردي بالحقوق والواجبات، وكيفية ممارستها والمطالبة بها بشكل منظم أو ما يعرف بثقافة الحقوق.
قبل أن تُدرَّس مادة حقوق الإنسان في المدارس وقبل أن تؤسس الهيئات الحقوقية كنا نفهم «الحقوق» من البيت والأسرة.. كان الأهل يزرعون قيم العدالة: «لا تأخذ حق غيرك»، «شارك إخوتك»، لكن لم يكن هناك وعي واضح بالحقوق كقوانين مكتوبة.
ورغم أن القرآن والسنة مليئة بأحاديث عن العدل والحقوق: حق الجار، حق اليتيم، حق الوالدين إلا أن هذه الحقوق كانت تُفهم على أنها أوامر أخلاقية ودينية، لا مطالبات قانونية.
وفي المدرسة كان المعلمون يتحدثون عن «الواجبات» أكثر من «الحقوق».
وكان المجتمع يربي الفرد على الطاعة والاحترام، لذلك نتفاجأ بأن كثيرا من الناس لم يعرفوا حقوقهم إلا عند وقوع الظلم أو الخطأ.
تعلموا بالممارسة: حين يرفض موظف معاملة، أو يظلم صاحب عمل موظفًا، يبدأ الإنسان يبحث: «هل هذا حقي أم لا؟»
الأجيال الماضية كانت تتعلم الحقوق بالخبرة، لا بالمعلومة المؤسسية، وهذا ما يفسر لماذا أحيانًا نميل للخجل أو المجاملة، بينما الجيل الجديد يميل أكثر للجرأة في المطالبة.
مشكلة جيلنا مع ثقافة الحقوق أنه لم يعرف ما له وما عليه، ولم يكن قادرًا على الدفاع عن حقه دون خوف.
وحين أدرك مجتمعنا أهمية ثقافة الحقوق، ادخلها كمنهج في المدارس وتأسست الهيئات والمنظمات الحقوقية لضمان عدالة اجتماعية ،تقلل من الظلم والاستغلال، تبني مواطنًا مسؤولًا يعرف حدوده وحدود الآخرين، وتعزز الشفافية والمساءلة في المجتمع، اصبح المواطن لا يخجل من تقديم شكوى ضد الأفراد أو المؤسسات.
لكن: هل تحوّل الحق من فكرة قانونية إلى سلوك يومي يعيشه الناس؟
هناك ثلاثة أبعاد لثقافة الحقوق:
1 - البُعد المعرفي وهو معرفة القوانين واللوائح
2 - البُعد السلوكي
وهو كيفية مطالبة الشخص بحقه بطريقة حضارية والقدرة على استخدام القنوات الرسمية
3 - البُعد النفسي والاجتماعي، ويعني التحرر من الشعور بالذنب أو الخجل عند المطالبة بالحقوق.
من هنا نتساءل:
هل وصلنا إلى الوعي القانوني الكافي؟
هل يعرف الجميع القوانين التي تحميهم مع وضوح الآليات والإجراءات؟
هل ما زالت المطالبة بالحق تُعتبر إحراجًا أو تُفسَّر أنها «قلة ذوق» أو «مشاكسة»؟
هل ما زال الخوف من العواقب (خسارة الوظيفة، الخصومة الاجتماعية) موجوداً؟
هل تطبق القوانين أم أن تطبيقها ضعيف؟
هل هناك مؤسسات تنشر الوعي بشكل مستمر (مدارس، منظمات مجتمع مدني، إعلام)؟
إجابات هذه الأسئلة يمكن ان تجعلنا اكثر وعيا بواقعنا.. بمواجهة أنفسنا ومواجهة الآخرين تجاه حقوقنا..
نواجه انفسنا بتعلم المطالبة بحقوقنا، بالتثقيف ومعرفة حقوقنا (قوانين العمل، حقوق المستهلك، الحقوق الشخصية)، بتعلم مهارات التواصل الحازم مع من حولنا، بالتدريب النفسي وتجاوز الخوف من الرفض، بمشاركة التجارب وتشجيع بعضنا البعض على أن المطالبة بالحق ليست وقاحة، بل احترام للذات وللقانون.
لعلنا نصل إلى ثقافة جديدة.. ويصبح السؤال عن الحق والمطالبة به أمرًا طبيعيًا.