إبراهيم بن يوسف المالك
التضخم اليوم لم يعد مجرد رقم اقتصادي يتابعه المختصون؛ بل أصبح المحرك الأساسي لاتجاهات الأسواق العالمية من الأسهم إلى السندات، ومن العملات إلى أسعار السلع. ومع دخولنا الربع الأخير من 2025 تبدو الصورة متباينة، حيث يظهر تباطؤ نسبي في بعض الاقتصادات المتقدمة مقابل ضغوط مستمرة في أخرى، وسط حذر شديد من البنوك المركزية التي توازن بين دعم النمو وكبح الأسعار.
في الولايات المتحدة تباطأ التضخم إلى 2.9 % سنويًا في أغسطس ما يضع الاحتياطي الفيدرالي أمام معضلة التريث قبل أي خفض قوي للفائدة، بينما سجلت منطقة اليورو معدلات قرب 2 % وهو ما يمنح البنك المركزي الأوروبي مساحة محدودة للتيسير ولكن بحذر. في المقابل تبقى بريطانيا في موقع أكثر صعوبة مع تضخم بلغ 3.8 % ما يدفع بنك إنجلترا إلى التوقف مؤقتًا عن أي تخفيضات إضافية.
وعلى صعيد النشاط العالمي، أظهرت مؤشرات مديري المشتريات (PMI) أعلى مستوياتها منذ أكثر من عام، ما يعكس توسعًا اقتصاديًا متواصلًا لكن مع تراجع التوقعات المستقبلية للنمو. هذه المعادلة توضح قلق الأسواق من توسع حاضر هش في مواجهة تقلبات الطاقة والتجارة العالمية.
انعكاسات ذلك على الأسواق تبدو واضحة: الأسهم تتحرك في مساحة من التفاؤل المشروط حيث يفضل المستثمرون الشركات ذات الأساسيات القوية والقطاعات الدفاعية، مع انتقاء مدروس للقطاعات الدورية إذا حافظ النشاط الاقتصادي على زخمه. السندات بدورها تزداد جاذبية خاصة متوسطة الأجل في ظل تباطؤ التضخم، لكنها تبقى معرضة لصدمات النفط والطاقة. أما العملات والسلع فتبقى رهينة قوة الدولار من جهة وتقلبات أسعار الطاقة من جهة أخرى، حيث إن أي ارتفاع مفاجئ قد يعيد الضغوط التضخمية ويفرض على البنوك المركزية تشديدًا إضافيًا.
تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى نمو عالمي يقارب 3 % خلال 2025 مع بقاء المخاطر قائمة من التوترات التجارية وتقلبات الطاقة. التضخم يتجه تدريجيًا للانخفاض لكنه يبقى لزجًا في مكونات الخدمات والأجور، ما قد يؤجل العودة الكاملة إلى مستويات ما قبل الجائحة حتى 2026. أما السياسات النقدية فمن المرجح أن يلتزم الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي بخطوات محدودة في خفض الفائدة، بينما يميل بنك إنجلترا إلى التوقف مؤقتًا بعد خفض واحد فقط هذا العام، وهو ما يجعل الأسواق أكثر حساسية للبيانات الشهرية القادمة خاصة أسعار الطاقة والتوظيف.
وفي الخلاصة تدخل الأسواق العالمية الربع الأخير من العام بملامح استقرار قلق، فالتفاؤل قائم بفضل تباطؤ التضخم ومرونة النشاط، لكنه محفوف بمخاطر الطاقة وتوترات الجغرافيا السياسية، ولذا تبقى القاعدة الذهبية واضحة: التركيز على الجودة، الحذر من المبالغة في الرهان على التعافي، والاستعداد لمفاجآت قد تأتي من حيث لا يتوقع!