إعداد - عبدالله عبدالرحمن الخفاجي:
في مدينة تضج بتاريخها العريق وتزهو بحداثتها المتجددة، تواصل جدة كتابة فصولها الفنية المضيئة عبر احتضان الفعاليات الثقافية والتشكيلية التي تعكس روح الإبداع. ومساءً، افتتحت صالة أتيليه جدة للفنون معرضها الشهير «ما بين الأبيض والأسود» في دورته العاشرة، وسط حضور نخبة من المثقفين والفنانين والإعلاميين، يتقدّمهم مدير جمعية الثقافة والفنون بجدة الأستاذ محمد آل صبيح، الذي أقيم المعرض على شرفه، بمشاركة الأديب الكبير عبده خال، وشاعر الوطن الدكتور صالح الشادي، والمهندس لؤي حكيم، إلى جانب كوكبة من الفنانين التشكيليين وعشاق الجمال البصري.
الفن التشكيلي.. لغة تتجاوز حدود الكلمات
يُعد الفن التشكيلي أحد أهم الوسائط الإنسانية التي تحمل في طياتها بعدًا جماليًا وثقافيًا وفلسفيًا، إذ يتجاوز حدود المكان والزمان ليعبّر عن قضايا الوجود والهوية والجمال بلغة بصرية تلامس الروح مباشرة؛ فهو ليس مجرد ألوان وخطوط على لوحات، بل فضاء يتيح للإنسان التأمل وإعادة قراءة ذاته والعالم من حوله. وفي ثنائية الأبيض والأسود، تتجسد قيمة الفن التشكيلي بأبهى صورها، حيث يغدو التضادّ مصدر إلهام ورمزًا للصراع الأزلي بين النور والظل، بين الحضور والغياب، وبين اليقين واللايقين.
معرض يحتفي بالتباين وثراء المعنى
يستمر المعرض على مدى أسبوعين، مقدّمًا للزوار مجموعة متنوعة من الأعمال التي وجدت في الأبيض والأسود أرضًا خصبة للتجريب والتعبير.
لم تكن الأعمال مجرّد لوحات ثنائية اللون، بل نصوص بصرية مفتوحة على احتمالات لا تنتهي؛ فبعضها عكس ملامح الروح في صمتٍ عميق، وأخرى جسّدت رحلة الإنسان في مواجهة المجهول.
وقد أبدى الحضور إعجابهم بالتجارب المعروضة، التي نجحت في تحويل اللونين المتقابلين إلى لغة فلسفية وإنسانية غنية بالرموز والمعاني. وعلّق الأستاذ محمد آل صبيح على أهمية المعرض، مؤكدًا أن الفنانين استطاعوا أن يمنحوا الأبيض والأسود حياةً جديدة تخرج من إطار التقليدية، لتشمل جميع ألوان الطيف الإنساني والفكري، معتبرًا أن هذه التجربة ليست مجرد حدث فني، بل إضافة نوعية لمسيرة الفن التشكيلي السعودي.
كما أثنى آل صبيح على دور أتيليه جدة في رعاية الفنون واحتضان المواهب، مشددًا على أن مثل هذه الفعاليات تسهم في تعزيز الذائقة الفنية لدى المجتمع، وتمنح الفنانين فرصة للتعبير الحر عن قضاياهم وهواجسهم.
أسماء تضيء سماء الإبداع
شارك في المعرض عشرات الفنانين التشكيليين البارزين، منهم: عبدالله حماس، محمد الأعجم، يحيى الشريفي، د. أحمد نوار، عبدالله إدريس، جورج بهجوري، حامد ندا، عبدالعزيز بوبي، محمد الرباط، إبراهيم بوقس، فهد السليمان، عاطف أحمد، لميس الحموي، سعيد العلاوي، سعيد الخضري، عبدالعزيز العواجي، عبدالرحمن المغربي، فهد الحربي، بسمة العواضي، ثامر الرباط، خالد الزهراني، إكرام القحطاني، جمال زيدان، مصطفى الربيع، محمد كمال عبدالهادي، زهرة خلف، هبة جامع، مها جمال، نجوى أبو طالب، د. أشرف حلواني، عبدالحميد الفقي، زايد الزهراني، سهام المنصوري، أمل جمل الليل، رنا نورالدين، حسن سعيد الزهراني، ماجد الفرام، داليا طلال، سفر الغامدي، غدير حميد، مريم بفلح، أمل الرحيلي، حنان الحازمي، وهيب زقزوق، أروى نواوي، حنان الشيخ، د. أحمد فرج، سحر العناني، جواهر السيد، خلود العمري، علا حجازي، ريم الديني، أماني غيث، أحمد الخزمري، حسين دقاس، أحمد حسين، فهد خليف، عبدالله عريشي، أمل فلمبان، سلوى حجر، صباح مشرعي، نوال مصلي، محمد الخبتي، زعيم أحمد، عبدالفتاح البدري، نور اليوسف، وغيرهم من الأسماء التي تثري الساحة التشكيلية بخبراتها وتجاربها المتنوعة.
جدة تواصل الحكاية
بهذا المعرض، تثبت جدة أنها ليست مجرد مدينة ساحلية ذات ملامح تجارية وتاريخية، بل فضاء متجدد للإبداع والفنون، يلتقي فيه المبدعون والجمهور في رحلة مشتركة من التأمل والتذوق. إن «ما بين الأبيض والأسود» ليس فقط احتفاءً بجماليات التباين، بل منصة لطرح أسئلة وجودية وفلسفية حول الإنسان والحياة.
ولعلّ قيمة هذا المعرض تكمن في كونه جسرًا يصل الفنان بالمجتمع، يفتح الأفق أمام الحوار البصري، ويؤكد أن الفن قادر على أن يتحدث بلغة تتجاوز الكلمات لتخاطب الروح مباشرة.
هكذا، تواصل جدة عبر مثل هذه الفعاليات صياغة دورها الريادي كعاصمة للفنون، تكتب من خلالها فصلاً جديدًا في حكاية طويلة من الجمال والإبداع.
** **
تويتر: AL_KHAFAJII