شهدت الساحة الكروية السعودية في الآونة الأخيرة ظاهرة غير مسبوقة على مستوى تغيير المدربين، حيث اتجهت بعض أنديتنا الرياضية إلى إنهاء عقود مدربيها في بداية أو منتصف الموسم أو بعد فترات قصيرة من التعاقد!
هذه المشكلة المتكررة تطرح تساؤلات جوهرية حول إستراتيجية الإدارة في هذه الأندية الرياضية، وهل هي خطط محكمة مبنية على قرار رشيد تسعى للتميز وتعديل المسار الفني والنتائجي..؟! أم أنها مجرد ردود فعل خارجة عن السيطرة العقلانية.. تحت ضغط النتائج والجماهير والطموحات المتسارعة..؟!
لم تكن هذه القضية أو المعضلة الرياضية حكرًا على أندية محددة، بل شملت أندية كبرى مثل فريق الاتحاد، الذي مــّر بعدة تغييرات تدريبية في فترة وجيزة وأخرهم المدرب الفرنسي (لوران بلان) بعد أربعة مباريات فقط من انطلاق الموسم الكروي الجديد وهو المدرب الذي نجح في الموسم الرياضي المنصرم في قيادة العميد للفوز بلقب دوري روشن السعودي (2025-2024) ثم كأس الملك في موسم استثنائي، والهلال مع المدرب الداهية جورجي خيسوس، وكذلك نادي النصر قبل أن يتعاقد مع المدرب البرتغالي الاخير صاحب الأرقام القياسية مع فريقه السابق الهلال وغيرهم من الأندية التي تسابقت في إنهاء عقود مدربيها وفق آراء متباينة وردود أفعال سريعة..!! مما يتسبب في هدر مالي كبير.. تشكل عبئًا على الميزانية وبالذات مع قضية دفع الشرط الجزائي بأرقامه المفزعة.!! ولا تقتصر العملية على مستحقات إنهاء عقد المدرب التي قد تصل الى ملايين الدولارات بل تمتد الى تعويضات طاقم المساعدين مما يوسع دائرة الهدر المالي..!! ولكن يبدو أن ثقافة «الصبر الرياضي» هي الحلقة المفقودة..
في هذه العملية. خاصة وأن عملية التغيير المتكرر للمدربين تؤدي الى انعدام الرؤية الفنية الموحدة.. وكل مدرب جديد يأتي بفلسفة مختلفة وخطة جديدة ومتطلبات جديدة للتعاقدات مع اللاعبين مما يحول الفريق الى «لوحة فنية» يطمس كل فنان ما رسمه سلفه ليبقى الفريق بلا هوية واضحة واستقرار يضمن الاستمرارية والمنافسة القوية.
طبعا وجهة نظري هنا لا تعني الدفاع عن استمرار (مدرب فاشل) ولكن المطلوب هو التوازن بين الطموح والعقلانية في كثير من القرارات الإدارية قبل اتخاذ الحلول الفورية غير المدروسة.!
ولاريب أن النجاح المستدام، كما تثبت تجارب أكبر الأندية الرياضية في العالم، لا يُبنى على التغيير الدائم، بل على التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد والثقة في مشروع تدريبي واضح يضمن صناعة فريق متماسك يشار له بالبنان يحقق الآمال العريضة وترجمة الطموحات الكبيرة لعشاقه.
ويمكن تحليل أسباب هذه القضية وتكرارها داخل داهاليز بعض الأندية الرياضية خلال السنوات الثلاث الأخيرة من خلال الطموح غير المتناسب مع التخطيط السليم.. وتحديدا مع الدعم الهائل الذي تحظى به كرة القدم السعودية والاستثمارات الضخمة في شراء نجوم عالميين، ارتفعت سقف التوقعات بشكل كبير.
الإدارات تطالب بالنتائج (الألقاب والمنجزات) فورًا في هذا السياق، أي سلسلة نتائج سلبية ولو كانت قصيرة، تعتبر مبررًا كافيًا للإطاحة بالمدرب ليصبح كبش فداء..!!، دون منحه الوقت الكافي لبناء هوية فريق قادر على المنافسة وتحقيق الآمال المعقودة... كما أن فجوة الأداء التكتيكي في بعض الحالات، يكون القرار مبررًا من الناحية الرياضية. عندما يظهر الفريق و بشكل متكرر بلا خطة تكتيكية واضحة، أو يفشل في تحقيق التوازن بين خطوطه رغم توفر العناصر الجيدة، يصبح المدرب هو الحلقة الأضعف والأسهل للتغيير.!
ربما حان الوقت لكي تتبنى الأندية السعودية مقاربة أكثر توازنًا؛ حيث يتم تقييم المدربين ليس فقط على أساس النتائج الفورية، ولكن أيضًا على أساس التطور الفني للفريق، وبناء هوية كروية مميزة له.
ساعتها يمكن تحويل هذه الظاهرة من «رد فعل يائس» إلى «استراتيجية تطوير حقيقية» تليق بالطموح الكروي السعودي العالي في ظل الدعم الكبير من القيادة الرشيدة للقطاع الرياضي.
** **
سلطان الدوس - أمين عام نادي الرياض - سابقاً