د. رانيا القرعاوي
احتضنت الرياض الأسبوع الماضي مؤتمر الاستثمار الثقافي الذي نظمته وزارة الثقافة، وشهد الإعلان عن تأسيس جامعة الرياض للفنون، وإطلاق أول صندوق مختص بالفنون والثقافة من جانب شركة عودة كابيتال، الذي سيستثمر بشكل أساسي في الأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة لفنانين بارزين من المملكة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع تخصيص الحصة الأكبر للفن الإقليمي، والباقي للفن العالمي.
يشاء القدر أن أكون مسؤولة عن الإعلام في إحدى المؤسسات المشاركة، وخلال نقاش مع الإعلاميين لاحظت الفارق بين تناول الإعلام المحلي والعالمي. فبينما رأى بعض الإعلاميين المحليين أن المؤتمر مجرد مادة تجارية، تعاملت معه وسائل الإعلام الدولية باعتباره خطوة استراتيجية سيكون لها أثر ملموس على الاقتصاد الوطني، ويعزز موقع المملكة في الاقتصاد الإبداعي العالمي.
نتذكر هنا تجربة تاريخية مثل أكاديمية فلورنسا للفنون في القرن الخامس عشر، التي كانت حجر الأساس لعصر النهضة، حيث تلاقت الفنون بالاقتصاد فأحدثت تحولًا غير مسبوق في مسار أوروبا. واليوم، مع إطلاق جامعة الرياض للفنون إلى جانب الصندوق الثقافي، نجد أنفسنا أمام مشروع مماثل في طموحه، يربط الثقافة بالاقتصاد ويضع المملكة في موقع الريادة.
تؤكد التقارير الدولية أن الصناعات الإبداعية تسهم بـ3.1 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتوفر ملايين الوظائف في مختلف القارات.
وتهدف المملكة إلى رفع مساهمة القطاع الثقافي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 3 % بحلول عام 2030، ضمن رؤية المملكة 2030 التي تجعل من الثقافة والفنون ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والسياحية.
لكن يبقى السؤال: كيف يتعامل الإعلام المحلي مع هذه المشاريع؟
هنا نستحضر نظرية وضع الأجندة، التي ترى أن الإعلام لا يخبر الناس بما يفكرون فيه، بل بما يجب أن يفكروا فيه. فإذا ظل التناول الإعلامي محصورًا في التغطية السطحية، فسيفقد المجتمع البوصلة التي تُمكّنه من قراءة الأبعاد الاقتصادية والثقافية لهذه الاستثمارات.
إن الإعلام المثقف ضرورة لا تقل أهمية عن الاستثمار في الثقافة نفسها، فكما قال نابليون بونابرت: «الصحافة أحد الأعمدة الكبرى التي تقوم عليها الحضارة والعمران». فدون وجود كوادر إعلامية مؤهلة، قادرة على قراءة الأثر الاقتصادي والاجتماعي، ستبقى المشاريع الثقافية الكبرى مجرد عناوين لا تصنع أثرًا حقيقيًا.
من هنا، تبرز الحاجة إلى برنامج وطني لتأهيل الإعلاميين، على غرار المنح التي ستقدمها جامعة الرياض للفنون لاستقطاب المواهب الثقافية، بحيث يكون للإعلاميين مسار تدريبي يزوّدهم بالمعرفة الاقتصادية والثقافية، ويؤهلهم لتبني القيم الوطنية الجديدة.