د. عبيد بن عبدالله العمري
في مشهد عالميّ تكمّله أزمات لا تتوقف من النزاعات إلى الكوارث الطبيعية والمجاعة يبدو أن الفعل الإغاثي وحده لم يعد كافياً ليُغيّر الواقع أو يُحدث تحولًا جذريًا في السلام. من هذا المنطلق، يبرز السؤال الجوهري: هل يمكن أن يصبح مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مرشحًا فعليًا لنيل جائزة نوبل للسلام، ليس فقط كمنظمة تُقدّم مساعدات، بل كقوة تحولية تُرسّخ السلام والاستقرار؟ لتحقيق ذلك، لابد أولًا من مقارنة معيارية بين ما تطلبه لجنة نوبل من المرشحين، وبين ما أنجزه المركز حتى الآن مع تحديد النقاط التي تُعزّز فرصه، والفجوات التي ينبغي أن يعالجها، ومن ثم اقتراح مسار استراتيجي لتعزيز استحقاقيته.
المعايير الأساسية لنوبل للسلام
لجنة نوبل للسلام تعتمد عددًا من المعايير غير المعلنة بالكامل، لكنها معروفة من خلال وثائق الترشيح وتحليلات الفائزين السابقين:
1 - الترشيح من جهات مؤهلة (أساتذة جامعات، برلمانيون، معاهد بحوث، حاملو جائزة نوبل سابقًا).
2 - التأثير العالمي الفعلي: أن يُحدث العمل فرقًا ملموسًا خارج الحدود المحلية، في بناء السلام، التزام الأطراف، الحوار بين الأمم.
3 - الاستدامة والتحوّل البنيوي: ألا يظل العمل مساعدات مؤقتة، بل أن يُنتج مؤسسات محلية قوية وسياسات داعمة للسلام.
4 - النزاهة والشفافية والمساءلة: أن تكون التقارير المالية والميدانية متاحة ومدققة ومستقلة.
5 - الحيادية والاستقلالية: ألا يُساء فهم العمل الإنساني كأداة نفوذ سياسية.
6 - دعم أكاديمي ودولي: أن يحظى المرشح بتأييد من الباحثين والمؤسسات الدولية من خلال دراسات تقييمية وتحليلات مستقلة.
إذا استوفى المرشح هذه المعايير، فإن فرصه أمام اللجنة تصبح أكثر واقعية.
مقارنة بين المعايير وواقع المركز
فيما يلي نُقدم تحليلًا مقارنًا بين نقاط القوة التي تندرج في صالح المركز، وبين الفجوات التي تعترض طريق ترشيحه، مع توصيات لتعزيز فرصه:
أولاً: نقاط القوة التي تدعم ترشيحه:
الانتشار الدولي والحجم الكبير للمشروعات: حسب تصريحات المركز، يعمل حاليًا في أكثر من (108) دول، من خلال أكثر من (3,600) مشروع، بالتعاون مع أكثر من (320) شريكًا. كما أعلن أن المملكة عبر المركز قد قدّمت مساعدات بقيمة تزيد على (8.14) مليار دولار منذ تأسيسه، عبر (3,612) مشروعًا. هذا الانتشار في عدد الدول والمشروعات يُعزّز حجّة التأثير العالمي. انخراط في مجالات تنموية إلى جانب الإغاثة: في اليمن، على سبيل المثال، دعم المركز مشاريع زراعية بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (FAO) لتخفيف الأثر الاقتصادي للصراع، هذا النوع من الأنشطة يُظهر توجهًا نحو الاستدامة وليس مجرد استجابة للنزاع.
من حيث الشفافية والنشر فإن المركز مدرج كناشر بيانات في سجل المبادرة الدولية لشفافية المساعدات (IATI) منذ نوفمبر 2019، ويُعلِن بعض البيانات المالية والمشروعات في قوائم عامة. هذا يدلّ على وعي بمعايير الشفافية، وإن كان النشر لا يزال محدودًا.
المركز يُطرح كواجهة إنسانية للمملكة، ويُستخدم في الحوارات الدولية كأداة «الدبلوماسية الإنسانية» لتعزيز حضور المملكة على الساحة العالمية.
ثانياً: الفجوات والتحديات التي تحتاج إلى معالجة
تراجع المركز في مؤشر الشفافية، فحسب تقرير مؤرّخ 2022 من (Publish What You Fund )، حصل المركز على درجة (38.7) في مؤشر الشفافية، وُصِف بأنها ضعيفة (Poor) ضمن القائمة، متراجعًا من فئة متوسطة (Fair) في 2020. ويمثل هذا الانخفاض انتقادًا حقيقيًا لقدرة المركز على أن يُظهر بياناته بطريقة مقنَّنة ومتاحة للمراجعة العامة.
من التحليل يظهر أن المركز يُظهر بعض الالتزامات، والمبالغ المصروفة، وموازنات المشاريع السنوية، لكنه لا ينشر التقييمات المستقلة أو النتائج الميدانية المفصلة لجميع المشاريع.. هذا النقص في المعلومات الأدائية يُعطّل حجّة المساءلة أمام لجنة مثل نوبل.
كثير من المشاريع تظل مساعدات عاجلة (سلال غذائية، مساعدات طبية)، مما قد يُنظر إليه بوصفه عملًا إنسانيًا جيدًا، لكن ليس بالضرورة مشروع سلام. من أجل جائزة نوبل، يجب أن يظهر أن العمل ساهم في خفض التوتر، بناء المؤسسات، أو إرساء «بنية للسلام» دائمة.
لا توجد حتى الآن دراسات تحليلية دولية واسعة حول الأثر طويل المدى لمشروعات المركز تنشر في مجلات محكّمة يمكن لجنة نوبل الرجوع إليها. هذا هو عنصر دعم مهم للترشيح.
المسار المقترح لتعزيز فرص الفوز بنوبل
لمحاولة ترشيح فعّال ولمنافسة جدية، يُمكن للمركز أن يخطو خطوات استراتيجية مثل: تعزيز الشفافية إلى مرتبة «جيدة»: نشر ملف تنظيمي كامل على المبادرة الدولية لشفافية المساعدات (IATI)، تبين تفاصيل الموازنات الكلية حسب الدول والمشروعات، وجدولة نشر دورية شهرية أو ربع سنوية، مع توفير بيانات ميدانية ونتائج الأداء.
تكليف دراسات تقييمية مستقلة: تشجيع الجامعات ومراكز البحوث الدولية على إجراء دراسات مقارنة حول أثر مشروعاته على المدى المتوسط والطويل، ونشرها في مجلات علمية محكّمة. تحويل بعض المشروعات إلى «مبادرات سلام مؤسسية»: اختيار حالات نزاع يمكن فيها أن يُسهِم المركز في الوساطة، إعادة بناء مؤسسات محلية، دعم المصالحة، برامج الحوار بين الأطراف، وليس فقط توزيع مساعدات.
بناء شبكة ترشيح ودعم دولي: التواصل مع هيئات مؤهلة لترشيحه (أساتذة جامعات، معاهد سلام، الحائزين على جائزة نوبل) لتأييد ترشيحه، وبناء سرد إعلامي دولي يدعم ترشيحه.
الخاتمة
إذا نظرت إلى حجم المشاريع، الانتشار الجغرافي، الشراكات الدولية، والتوجه التنموي الذي يسعى إليه المركز، فإن المركز يمتلك بالفعل مكوِّنات قوية يمكن أن تجعله مرشحًا منافسًا. لكن الطريق إلى نوبل للسلام يُحتَجّ له بمجموعة من العوامل المكملة: الشفافية الكاملة، الأداء المثبت والمقوّم، دعم أكاديمي دولي، ومشروعات سلام هيكلية.
إذا نجح المركز في سدّ هذه الفجوات، فإنه قد يتحول من كيان إغاثي بارز إلى مرشح جاد لجائزة نوبل ليس للتكريم فحسب، بل كإقرار دولي بأن المساعدات حينما تدمج مع السلام والتحوّل المؤسساتي، يمكن أن تُعيد رسم مستقبل الشعوب المتضررة.
** **
أستاذ علم الاجتماع - جامعة الملك سعود