د. منى بنت سعيد القحطاني
حين اجتمع الحلم الوطني مع طموح الرؤية، ولد مشروع يفتح أبواب المستقبل على مصراعيه، ليجعل الذكاء الاصطناعي لغة يتقنها أبناء السعودية. لم يكن تدريبًا عابرًا ولا منصة عادية، بل وعد بأن الغد سيُبنى بسواعد أبنائه، وبأن كل شاب وشابة قادرون أن يكونوا شركاء في صناعة وطن رقمي ينافس العالم. وهكذا جاءت سماي لتكتب فصلًا جديدًا في قصة المملكة مع المعرفة والابتكار.
منذ انطلاقتها، حملت سماي رسالة وطنية عميقة: أن المعرفة حق للجميع، وأن التقنية ليست ترفًا، بل ضرورة لحياة أكثر وعيًا وفاعلية. لم تكتفِ بإتاحة محتوى تدريبي، بل صنعت ثقافة جديدة تُعيد تعريف علاقة الفرد بالتقنية.
وكما قال الفيلسوف فرانسيس بيكون: «من يمتلك المعرفة، يمتلك المستقبل.»
لقد غيّرت المبادرة مفهوم التعلم الرقمي في المملكة، لم تعد التقنية حكرًا على النخب، بل أصبحت في متناول كل طالب يتهيأ لمستقبله، وكل موظف يطور أدواته، وكل معلم يجدد وسائله. بهذا المعنى، حققت سماي عدالة معرفية حقيقية، حيث أصبح الوصول إلى الذكاء الاصطناعي متاحًا لمليون سعودي، كل واحد منهم قصة نجاح مختلفة، لكنها في النهاية تصب في حكاية وطن واحد.
الأثر كان واضحًا منذ البداية. آلاف المتدربين الذين التحقوا ببرامجها اكتسبوا مهارات عملية فتحت أمامهم أبوابًا جديدة، سواء في وظائفهم أو في مشاريعهم الخاصة. الطلاب أصبحوا أكثر استعدادًا لمستقبل وظائفهم، الأساتذة وجدوا فيها معينًا لتجديد أدواتهم، والموظفون باتوا أكثر كفاءة في مؤسساتهم. والأهم أن نظرة المجتمع للتقنية تغيرت؛ فلم تعد مصدر قلق، بل وسيلة تمكين. وهنا يصدق القول: «الذكاء الاصطناعي لن يستبدل الإنسان، بل سيمنحه أفقًا أوسع ليكون أكثر إنسانية.»
لكن القيمة الأكبر لسماي لا تكمن فقط في المهارات المكتسبة، بل في الثقة التي زرعتها. ثقة المواطن بقدراته على المنافسة عالميًا، وإيمانه بأن وطنه يضعه في مقدمة سباق المعرفة، لقد صنعت المبادرة وعيًا جديدًا: إن المملكة لا تستهلك التقنية فقط، بل تنتجها وتقودها، وأن أبناءها وبناتها هم حجر الأساس في هذه القيادة.
النتائج الرائعة لهذه التجربة تتضح أكثر حين ننظر إلى المستقبل. فتمكين مليون سعودي من الذكاء الاصطناعي لا يعني مجرد رفع كفاءة الأفراد، بل هو بناء قاعدة وطنية متينة تدعم الاقتصاد، وتثري سوق العمل، وتمنح المملكة ميزة استراتيجية في ميادين الابتكار العالمية. وفي هذا السياق، تبدو الحكمة واضحة: «في كل متعلم شغوف مشروع وطن بأكمله.»
إن سماي لم تكن مبادرة عابرة، بل خطوة جريئة في رحلة التحول الوطني. هي نافذة على الغد، تؤكد أن المستقبل لا ينتظر المترددين، وأن المملكة قررت أن تكون في الصف الأول، بأبنائها وبناتها، بعقولهم وأحلامهم، وبإيمانهم أن الاستثمار في الإنسان هو الرهان الأجمل والأبقى، وأن مليون قصة فردية يمكن أن تلتقي لتكتب رواية وطن واحد.