د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
ترى السعودية أن التأخير تخلُّف، وعليها مواكبة هذا التحول في العالم، وهي مصممة على ترجمة رؤيتها إلى واقع ملموس، لكي تواكب التطور مستقبلاً وتتجاوز حدود الماضي من الاعتماد فقط على الطرق البرية إلى الطرق الجوية، والتحول من دولة نفطية مصدرة للنفط إلى دولة ابتكارية، ومن دولة مستهلكة إلى دولة منتجة، إنها قفزة مدفوعة بالطموح، خصوصاً أنها تراهن على أن الوقت والتقنية متوافران، وليست هي دعاية، بل هي شراكات استراتيجية تقيمها مع شركات عالمية حول العالم.
تعتبر السعودية من أكثر الدول تبنياً للتقنيات الجديدة، ولن تصبح فقط مستخدمة لها، بل ستكون منتجة ومصدرة لها إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وأفريقيا، وجنوب آسيا، وهي مناطق تبحث عن نقل التقنية ولكنها تفتقر إلى الحلول التقنية.
بعد أن انحصرت فكرة السيارات الطائرة في الخيال العلمي، بسبب أنها كانت تواجه تحديات هندسية وفيزيائية، لكن اليوم مع التطور التقني الحادث في القطاعات كافة، أصبح حلم السيارات الطائرة أقرب إلى الواقع، ورغم أن كل الدول في العالم تشترك في حلم السيارات الطائرة، فإن الصين تغرد بمفردها في هذا القطاع بشكل يحاكي ما تفعله في قطاع السيارات الكهربائية، وبحسب التقارير، فإن الحكومة الصينية تسعى للوصول إلى 100 ألف سيارة طائرة بحلول عام 2030، وتضم الصين أكثر من 100 شركة عاملة في قطاع الطيران المنخفض الارتفاع، وتنظر الصين إلى المركبات ذات التحليق المنخفض الارتفاع بعين المنقذ، إذ يمكن توفير حل سريع لأحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومة الصينية من الازدحام في المدن الصينية حتى الوصول إلى المناطق الجبلية البعيدة التي لا تمتلك طرقاً ممهدة.
تتسابق الشركات المصنعة للسيارات اليوم للإعلان عن تطويرها للسيارات الطائرة، بل إنها بدأت ذلك بالفعل من خلال تطوير أجهزة الطيران الشخصي، هذا التسابق المحموم، قود إلى ثورة في عالم النقل، وتغيير وجه قطاع النقل في العالم من خلال تطبيق أفكار ثورية ذات تقنيات متقدمة، حيث ينظر اليوم إلى السيارات الطائرة إلى أنها مستقبل قطاع النقل، ويتوقع مؤسس xpeng أن تتحول جميع شركات صناعة السيارات في المستقبل إلى شركات تصنع الروبوتات والسيارات الطائرة خلال مدة تتراوح بين 10 إلى 30 عاما، وكانت الشركة محددة طرح سيارة طائرة اسم x2 تسع لراكبين ستكون كهربائية بالكامل وتعمل ببطارية الليثيوم ويمكنها الطيران لمدة 35 دقيقة بشحنة واحدة مدتها 3 ساعات، في الربع الرابع من عام 2025 لكن تأخر الطرح إلى 2026 بسبب تأثرها بالنقص العالمي في أشباه الموصلات التي تدخل صناعة السيارات.
هذا الاستخدام لم يغب عن حكومة السعودية التي قررت تعزيز استثماراتها في هذا القطاع بالتعاون مع شركة أي هانغ الصينية، وهي شراكة استراتيجية، لها أبعاد جيوسياسية في شراكة تقنية مع الصين والحصول على تقنيات موثوقة، وهو بمثابة توازن استراتيجي يقوي علاقة السعودية مع الصين لبناء مستقبل متعدد الأقطاب، مستفيدة من الشرق والغرب لتصبح السعودية رمز التقنية، هذه الرؤية الطموحة يعتريها تحديات تكمن في بناء محطات على أسطح المنازل، وبناء مراكز جوية متخصصة، وأبراج مراقبة جوية ذكية، ومراقبة الحركة الجوية، سيترتب عليها تغيرات عدة، أبرزها اختفاء الحدود بين المدن والريف، مما يؤدي إلى نماذج جديدة من الحياة وهياكل المجتمع، علاوة على ذلك قد يحفز التحول من النقل البري مستقبلاً إلى الجوي ابتكارات تكنولوجية أخرى وتحولات اجتماعية، فهو بمثابة اقتصاد حيوي جديد ينضم إلى بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى، ويعزز القاعدة الصناعية إلى جانب أنه يوفر وظائف جديدة.
ما يميز هذه الشراكة عنصر التوطين والاهتمام بالبحث والتطوير والتركيب لتأكيد مكانة السعودية في سوق النقل الذكي، وهو سوق يمكن أن يصل حجمه إلى أكثر من تريليون دولار بحلول عام 2040، ووفق رؤية المملكة 2030 فإن النقل في السعودية لا يقتصر على النقل بالسيارات والقطارات السريعة، بل يشمل مفهوماً أوسع في النقل الحضري.
وقد كشفت السعودية عن رؤيتها المستقبلية النوعية الطموحة بتبني التكسي الطائر، فهو ليس فقط فائق السرعة بل إنه أكثر مرونة يخدم المناطق المزدحمة والسياحية والمناطق الجبلية الوعرة، والمناطق الصحراوية النائية، وهي فكرة ارتبطت عند تأسيس نيوم كمدينة ذكية التي تركزت فكرتها على المشي والنقل الذكي وبناء أنظمة صديقة للبيئة، لتصبح نيوم نموذجاً خالياً من الانبعاثات، وأكثر ترابطاً، تعتمد على نظام ملاحي موجه يربط بين نقاط مبرمجة من خلال شبكة جوية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، لتحسين نوعية الحياة بشكل كامل، لتشكيل مشهد حضري واقتصاد مدني وحياة يومية للبشر في نيوم لتقدم للعالم نموذجاً حضرياً مميزاً.
ستكون التجربة الأولى في الرياض ونيوم ثم يتم تطبيقها على بقية أجزاء السعودية، وهي مركبات طائرة كهربائية ذاتية القيادة، ووفق رؤية السعودية الطموحة سيتم طرح أول تكسي طائر من إنتاج السعودية خلال خمس سنوات من أجل دمج السيارات الطائرة في النقل، في الوقت الذي تصبح فيه السيارات الطائرة الواقع الجديد لقطاع النقل تعمل المنظمات المعنية بصورة حثيثة لتوفير المتطلبات اللازمة لتوفير هذه السيارات بشكل تجاري الأمر الذي يبدو أنه أقرب من أي وقت مضى.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقاً