د.شريف بن محمد الأتربي
تظل مشكلة التعليم وتحدياته ومستقبله من القضايا التي لا تشغل العاملين في ميدان التعليم فقط، ولكن تشغل جميع أفراد المجتمع، فالتعليم هو شريان الحياة لأي تطور أو تحديث لبنية الدولة ومؤسستها ضمن الخطط الاستراتيجية، حيث يعتبر طلبة اليوم هم القادة والأيدي العاملة للمستقبل، وعدم تأهيلهم لهذا الدور يخل بمنظومة إجراءات التحديث ويُفشل الدولة في تحقيق أهدافها سواء الطويلة المدى أو قصيرته.
ما أن ينتهي العام الدراسي إلا وتبدأ الدولة ممثلة في وزارة التعليم أو الجهة المسؤولة عنه بصرف النظر عن مسماها في البحث عن أفضل النظم والاستراتيجيات التعليمية التي يمكن تطبيقها لمساعدة الطلبة على التعاطي مع التحديات الحالية سواء في المجتمع أو في ميدان الأعمال، ومع كل تغيير يحدث في التوجهات العالمية تجد المسؤولين يسارعون نحو هذا التوجه سواء باستحداث مقررات دراسية جديدة أو حتى في إعادة توزيع درجات التقييم ليشمل جزء منها هذه التغيرات، وأقرب مثال لهذا هو الذكاء الاصطناعي، حيث سارعت الجهات المسؤولة عن التعليم إلى اعتماده كمقرر دراسي، وتعميمه على كافة المراحل الدراسية الدنيا منها أو الجامعية، وقد سبق ذلك أيضا البرمجة، وسبقاها الحاسوب وغيرها، مما يعني أن التخطيط هو ناتج ردود أفعال وليس ناتجا عن رؤية مستقبلية للتحديات التي يمكن أن تواجهها الدولة والتخطيط لمواجهتها بما يناسبها من أدوات وممكنات.
إن التحديات المستقبلية في التعليم لا تعني تغيير المقررات الدراسية ولا تقلص الوظائف نتيجة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، إن التحديات - من وجهة نظري - تشمل طول فترة التعليم التي تتجاوز 18عاماً من عمر الفرد والتي يمكن اختزالها في عدد أقل مع الالتزام بجودة التعليم.
تأتي المهارة والخبرة المتراكمتين خلال فترة الدراسة واحدة من أهم التحديات المستقبلية في التعليم، فمخرجات التعليم تكاد تفرز للسوق طلبة لديهم مبادئ العمل رغم خضوعهم لمقررات دراسية من وجهة نظر واضعيها أنها كافية لإكساب المعرفة والمهارة ولكن التطبيق على أرض الواقع لا يفرز ولا يحقق الأهداف المرجوة.
يأتي التعلم الشخصي كواحد من التحديات المستقبلية للتعليم، حيث لم تستطع أنظمة التعليم ولا منصاتها المتعددة حتى الآن في التجهز للمستقبل حين يتحول الجانب الكبر من التعليم إلى تعلم شخصي من قبل المتعلمين، حيث لازالت فجوة تكييف التعليم بما يتناسب مع المتعلم، فأنظمة التعليم والتحليل لازالت غير قادرة على الإبحار في شخصية ومهارة وسلوك المتعلم وتقديم وجبة تعليمية متكاملة الأركان وبنكهة مشبعة للمتعلم. وكما يمثل التعلم الشخصي تحديا للمستقبل، يمثل أيضا التعلم المستمر تحديا أكبر، فتوقف المتعلم عن التعلم بمجرد الحصول على الدرجة الجامعية، واكتفاءه بالدورات التي تقدم له من جهة عمله سيحدث فجوة معرفية بين سوق العمل المحلي وسوق العمل العالمي الذي يتحدث باستمرار طبقا لمقتضيات للفترة الحالية أو النظرة المستقبلية لهذا السوق، لذا فإن التعلم المستمر يجب أن يستلهم من التحديات المستقبلية وليست من تحديات المرحلة الحالية والتي لن تحقق الأهداف والتطلعات بعيدة المدى. لم تعد قضايا التعليم مقتصرة على ما نحن فيه الآن أو حتى العام القادم، بل التحديات يجب ان تتجاوز الفترات الزمنية المتعارف عليها وينتقل إلى مراحل زمنية أوسع وأشمل ليكون التخطيط أعمق وأكثر نفعا.