مبارك بن عوض الدوسري
عامٌ مضى يا أبا خلف، لكنه لم يُطفئ وهج الذكرى، ولم يبهت حضورك بيننا؛ كأنك رحلت بالأمس، وما زالت المجالس تفيض بذكرك، والديوانيات تردد مآثرك، والقلوب تنبض بدعواتٍ صادقة ترفعها الأرواح كل حين لك بالرحمة والمغفرة.
رحلت جسداً، لكنك بقيت أثراً طيباً وسيرةً عطرة، تُروى كلما جرى الحديث عن الوفاء والإخلاص؛ كنتَ أباً للمحتاجين، وعوناً للشباب، وظهيراً للطلاب، وراعياً لمدارس القرآن، ويداً بيضاء امتدت في الخير بصمت، لا تعلمها إلا السماء؛ كم من شاب فتحت له باب عمل، وكم من طالب أمسكت بيده لتقوده نحو الطريق الأجمل، وكم من بيت ارتسمت فيه الفرحة بدعائك وسعيك، وكم من سريرة شهدت لك بالصدق والنقاء.
يكفيك يا أبا خلف أنك لا تُذكر إلا بالخير، ولا يُرفع اسمك إلا مقروناً بالثناء؛ وهذا ما قاله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أنتم شهداء الله في الأرض»، وما أجمل أن يشهد الناس لك بالخير، فيكون ذلك بشارة ورضا؛ لقد أحبك الناس، وذاك من دلائل محبة الله لك، إذ قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل: إني أحب فلاناً فأحبه».
أيها الراحل الكريم، إن فقدك لم يكن فقداً لأهلك وأبنائك وحدهم، بل فقدك مجتمعٌ بأسره، عرف فيك الإنسان الصادق، والمربي المخلص، والرجل الذي لم يكن منصبه سوى وسيلة للعطاء؛ رحلت تاركاً خلفك دعواتٍ لا تنقطع، وذكراً لا يخبو، وقلوباً تتذكرك كلما اجتمعوا على حديث.
رحمك الله رحمةً واسعة، وجعل قبرك روضةً من رياض الجنة، وجزاك عن أهلك وأحبابك ومجتمعك خير الجزاء، سيبقى اسمك محفوراً في ذاكرة وادي الدواسر، وستظل سيرتك نبراساً يُضيء للناس دروب الوفاء والعطاء.