رمضان جريدي العنزي
«الهياط» يعني المبالغة في الأقوال والأفعال بشكل يخلو من الصدق والواقعية، بهدف لفت الانتباه والإثارة أو إظهار الوجاهة والثروة والغنى، ويعد صفة سلبية ووباء اجتماعيا وفيه رياء بائن وبحث عن السمعة، ويعد خروجا عن الواقع والمألوف، وعلامة من علامات السفه، واضطرابا في السلوك، وخللا في العقل، وانفصاما في الشخصية، الواقع يقول: إن «المهايطية» بعضهم مقتدر يهايط بالأقوال فقط، ومنها استغلال كل الفرص لخلق المناسبات الاجتماعية والاحتفالات والمهرجانات، والإسراف في الولائم والدعوات قصدا وعنوة، والآخر يحاول أن يقلد الأول لإثبات الوجود وإن كان فارغا في الذات والجيب والمضمون والمكانة والمحتوى، إن (المهايطين الجدد)، ظاهرة صوتية لا غير يزايدون بالصخب والضجيج ويدعون بلا حدود، وهم في الواقع لا شيء عدا كونهم يصرفون على أنفسهم ويستعرضون لتعويض النقص، لا يقضون حوائج الناس، ولا يسعون في مساعدة من يحتاج المساعدة، ولا يهتمون بأمور الأرامل والمساكين والمرضى وأصحاب الحاجة والفاقة من أقربائهم وممن حولهم، لا يخدمون المجتمع، ولا يساندون الوطن، لا يزرعون شجرة، ولا يرممون رصيفا، لا يبنون مصحة، ولا ينشأون حديقة أو مكتبة أو معلما أو حتى نافورة ماء، فقط يعيشون في ضجيج وصياح وجلبة وخطابات ممجوجة، يبتغون من وراء ذلك قصائد المدح والشيلات والإطراء والإشادة الباهتة، ويبحثون عن الضوء والصورة بأي طريقة كانت، فقط يبالغون في التفاخر والتباهي، ويسعون لجذب الانتباه ولفت الأنظار إليهم حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين، إن هذا السلوك قد يكون ناتجا عن: رغبة في تعويض نقص داخلي نتيجة الثقة المهزوزة بالنفس، أو شعور حاد بالنقص، أو حب الظهور والبروز ولو بشكل مصطنع، أو قلة الوعي بمشاعر الآخرين، ما يجعلهم يظهرون بمظهر الأنانية وعدم المبالاة، أو المنافسة الاجتماعية، لإثبات المكانة و»تبييض الوجه» على حد زعمهم أمام الناس، فيبالغون في الإنفاق والمظاهر، إضافة إلى الفراغ القيمي والروحي والثقافي، واستهواء التصوير والبث والنشر، وكل هذا ينتج عنه إرهاق مادي وخصوصا الذين يحاولون أن يواكبون وهم غير قادرين، إضافة إلى تطبيع سلوك التبذير على حساب العقلانية والاحتياج الفعلي، وبعيدا عن التوازن والمعنى، إن أبسط المناسبات هي التي تترك أثرا أعمق من أفخمها كونها نتاج مشاعر صادقة وصافية، تسكن الروح، وتلمس شغاف القلب، إن المناسبة ليست في فخامتها، بل فصدق اللحظة، ودفء القلوب التي تحضرها، فالبساطة الصادقة تترك وقعا لا تصنعه أعظم الاحتفالات التي تقام تحت الثريات، إن المناسبات السهلة والميسرة والبسيطة والتي لا يشوبها نفاق أو رياء أو غاية أو مطلب سمعة، تعادل ألف قاعة مليئة بالتكاليف الباهظة، ومظاهر البذخ المحرم، وزخارف المكان، فالعمل إذا أتى من خلال عفوية مطلقة، خلد، وإن نفخت فيه الزينة اللا معقولة اضمحلت وتلاشت ولم تعد له قيمة أو معنى.