عبدالله سعد الغانم
الرجل الواصل الصابر ناصر، هذا الرجل الصالح قضى على السرير الأبيض ما يزيد عن عشرين سنةً بعد مرض أصابه وأقعده وعطَّل قدميه ورجليه وبعض أعضائه، أعيا الأطباء والرقاة علاجه وهذا قدر الله وتدبيره وله نُسلِّم وبقضائه نرضى وما رأيتُه من هذا الرجل عجبًا فهو راضٍ صابرٌ محتسبٌ ذاكرٌ ربه نتأسى لحاله، لكن حين نزوره ونجلس معه ونرى محياه المشرق وابتسامته الجميلة نتفاءل خيرًا منتظرين فرج الله تعالى الذي إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، هذا الرجل الصبور كان قبل إصابته آيةً في الوصل والوفاء مع أرحامه وأقاربه وأحبابه وأصدقائه وزملائه يصلهم أينما كان دون تقاعسٍ أو تردد، وقد وجدنا له أحبابًا وأصدقاء في سائر بقاع مملكتنا الحبيبة، فضلاً عن أصدقائه خارج الوطن ويحظى بمحبة وتقدير العديد من علماء هذا الوطن، أمثال سماحة المفتي العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الله بن جبرين -رحمهم الله- والشيخ صالح الفوزان والشيخ صالح بن حميد وغيرهم من العلماء الأفاضل وقد كان متواصلاً معهم وكان سببًا في زيارتهم لمدينته (تمير) للإلقاء محاضرات في مساجدها حيث كان مديرًا لمكتب دعوة الجاليات التعاوني الذي تغير اسمه فيما بعد لجمعية الدعوة وهو أحد مؤسسيه وتولى إدارته زمنًا وبذل من جهده وماله الكثير حتى أسلم على يده ما يزيد عن مئة شخصٍ خدمه في ذلك بعد توفيق الله وعونه مع ثقة المسؤولين علميته الطيبة وتخصصه حيث كان معلمًا للغة الإنجليزية متخرجًا في جامعة الملك سعود من كلية التربية، وخدم في الميدان التربوي معلمًا أربعةً وعشرين عامًا كان فيها مثالاً للإخلاص والجد والاجتهاد، استفاد منه طلابه وتميزوا في اللغة الإنجليزية ولازالوا يذكرون جهوده في سبيل تعليمهم ويدينون له بالفضل في تعلِّم اللغة الإنجليزية، وقد شرُفت بمزاملته في تدريس المرحلة الثانوية زمنًا وكان يبذل الغالي والنفيس لتشجيع طلابه على تعليم اللغة الإنجليزية ويُقدِّم للمتميزين منهم الهدايا الطيبة حتى تأثر بعضهم به وتخصصوا في اللغة الإنجليزية، وأصبحوا معلمين نفع الله بهم الوطن ويتواصل الكثير منهم معه من خلال زيارته في بيته وفاءً ومحبةً منهم إضافةً لزيارات أحبائه وزملائه وأصدقائه الذين كان يزورهم ويتواصل معهم أيام صحته وعافيته وقد قيل ( كل ساقٍ سيُسقى ) حيث رأينا بأُم أعيننا كيف هي المكافأة الربانية في رد الجميل الذيرعه أيام صحته وهي علامة خيرٍ في محبيه وأصدقائه تُذكر فتشكر، وقد كان من أميز وأشهر من زاره صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء - جزاه الله خير الجزاء- ومن المكافآت الربانية لهذا الرجل الصابر البار بوالديه أن وهبه الله ذريةً صالحةً بنين وبنات نفع الله بهم وطننا الغالي، فمنهم المهندس ومنهم الضابط ومنهم المعلم هذا الرجل الصالح الصابر هو شقيقي الأكبر الشيخ المربي المعلم (ناصر بن سعد الغانم)
الطف إلهي أنت ربي القادرُ
بأخي الصبورِ فأنت ربٌّ ناصرُ
نشكو إليك ونرتجي منك الشفا
ولنا بك الأملُ الكبيرُ الزاهرُ
فإليك نضرعُ يا رحيمُ ونبتغي
فرجًا تُعجِّله ليُشفى ناصرُ
ولعلي أختم هذه النبضة الوفائية بهذه الأبيات الشعرية:
أمطرْ شعوري فإنَّ الحرفَ ظمآنُ
واسكبْ عبيرك يزهو اليومَ وجدانُ
اركبْ خيولَ الوفا وانسجْ لنا دُررًا
من رائعِ اللفظِ لا يغلبْك نقصانُ
كم كنتَ لي وافياً لا ترتضي خَوَرًا
غيثًا عرفتُك منك الخيرُ ألوانُ
سطِّرْ حروفًا لشيخٍ يرتدي حُللاً
من الخصالِ ويعلو الرأسَ تيجانُ
طهارةُ القلبِ تحكي طيبَ معدنهِ
وهِمَّةٌ زانها صدقٌ وإيمانُ
بَرٌّ وَصوْلٌ وخيرٌ بات يسكنُهُ
أنهارُهُ ثَرَّةٌ والنهجُ إحسانُ
يدعو إلى الله في عزمٍ وفي ثقةٍ
يبغي الثوابَ وربُّ العرشِ منَّانُ
كم من نفوسٍ من الإضلالِ أنقذها
فأشرق النورُ في الألبابِ جذلانُ
ميدانُ علمٍ صدوقٌ حين يذكرهُ
غرَّاسُ خيرٍ وللطلابِ بستانُ
أصابه الضرُّ فاشتدت عزيمتهُ
جَلْدٌ صبورٌ وإنْ خانته أركانُ
تقلَّد الحبَّ عِقْدًا زاهيًا ألِقًا
وذِكْرُهُ عاطرٌ ترويه أكوانُ
لله أنت! قعيدٌ نالنا خجلٌ
مما نرى من إباءٍ صار يزدانُ
الداءُ أمسى ينال الجسمَ مجتهدًا
لكنما ناصرٌ راضٍ وسَلْوانُ
لِسانُهُ رَطِبٌ بالذِّكْرِ ملتجئٌ
لكاشف الضرِّ ربُّ العرشِ رحمانُ
في قلبه روضةٌ خضراءُ يغمرها
حُبُّ وفيرٌ ولم تغلبْهُ أحزانُ
تراهُ محتفيًا بالضيفِ يُكرمُهُ
فبيتُهُ عامرٌ يهواهُ سكَّانُ
طلْقُ المحيا وعذْبُ اللفظِ منطقُهُ
نبيلُ خُلْقٍ وللمحتاجِ معوانُ
فيه الظرافةُ يملا الأُنسُ مجلسُهُ
يرعى المشاعرَ نِعْمَ الزادُ قرآنُ
إلى المساجدِ سبَّاقٌ يُبادرها
مع البكورِ ويحدو الشيخَ شُكرانُ
لله أرفعُ كفَّ الصدقِ مُبتهلاً
كي يكشفَ السوءَ عن شيخٍ له شانُ
ربَّاهُ أجزلْ ثوابًا زدْهُ عافيةً
أنت الجوادُ وكلُّ الخلْقِ ظمآنُ